Page 134 - m
P. 134

‫لأنه لا يقرأ‪ ،‬وإن قرأ لا يفهم‬                            ‫العـدد ‪59‬‬                           ‫‪132‬‬
  ‫المكتوب على الورق وإنما يذهب‬
  ‫للمكتوب في رأسه‪ ،‬والذي أخذه‬                                               ‫نوفمبر ‪٢٠٢3‬‬       ‫غير متماسكة وينزلها منزلة‬
                                                                                         ‫اليقين لمجرد أن ملتحيًا قالها‪ ،‬وأنا‬
     ‫عن شيوخ ُح َّفاظ لا ُيعملون‬    ‫عنها تار ًكا تقويمها لألسنة العرب‪،‬‬                   ‫الذي أعرض هذه الأقوال القديمة‬
    ‫عقولهم على الأغلب‪ ،‬وينقلون‬         ‫وذلك حسب أحاديث صحيحة‬                             ‫والحديثة على العقل‪ ،‬وأطرح عليها‬
‫دون تدبر‪ ..‬فلو قرأ لرأى و(فهم)‬                                                           ‫أسئلتي –التي أعتقد أنها منطقية‪-‬‬
   ‫و( َو َعى) أنني أثب ُّت كل مصدر‬  ‫وردت في الكتب العمد‪ ،‬طب ًعا دون‬
‫أخذت عنه‪ ،‬وهي كتب أساسية في‬            ‫أن يقول إن الكتب العمد ليست‬                         ‫بغية التفريق بين المعقول وغير‬
 ‫العقيدة كلها‪ ،‬فلم أذهب إلى كتب‬        ‫عم ًدا ولا حاجة‪ ،‬أو يستمر على‬                                            ‫المعقول‪.‬‬
  ‫الشيعة مث ًل‪ ،‬رغم رأيي أنه كله‬         ‫قناعته بأنها عمد وأن عائشة‬
  ‫دين وكله إسلام‪ ،‬لكنني فضلت‬                                                              ‫كما لم أستغرب من وصفه لمقالي‬
     ‫الأحوط‪ ،‬حتى لا يحاججني‬          ‫وعثمان لا يعرفون ما يعرف هو!‬                        ‫–أو الفصل من الكتاب الذي أعمل‬
   ‫متسرع بأن الشيعة ُك َّفار كما‬    ‫ُجل الخطاب الإسلامي مع الأسف‬                          ‫عليه والذي آمل إصداره قريبًا‪-‬‬
 ‫يقولون‪ ،‬وأن كتبهم لا يعتد بها‪.‬‬                                                          ‫بأنه «بحث طويل مليء بالشبهات‬
 ‫أخي ًرا‪ ..‬بالنسبة لموضوع الناسخ‬         ‫–وخطابات الأديان الأخرى‪-‬‬
 ‫والمنسوخ‪ ،‬فقد خصصت له‪ ،‬مع‬             ‫يقوم على التبرير‪ ،‬ولي الحقائق‬                        ‫الواهية والمفتريات الكاذبة”‪،‬‬
  ‫موضوع ترتيب الآيات والسور‬         ‫لتوافق النص وليس –وهو المنطقي‬                           ‫هكذا‪ ،‬بهذا القطع واليقين كأنه‬
‫وجمع القرآن‪ ،‬المقال الافتتاحي في‬       ‫والأصوب‪ -‬مراجعة النص كي‬                             ‫إله يمتلك الحقيقة المطلقة ويعلم‬
  ‫عدد أكتوبر السابق كما ذكرت‪،‬‬          ‫يتوافق مع الحقائق‪ ،‬يعني‪ :‬هل‬                        ‫ببواطن الأمور وما خفي‪ ،‬مع أنه‬
  ‫وبينت أنه رأي أورده الشافعي‬       ‫نقول إن الكاتب القديم أخطأ حين‬                         ‫رجل طيب لا يستطيع أن يكتب‬
                                     ‫حدد مدة الحمل بأربعة أعوام أم‬                          ‫جملة مستقيمة باللغة العربية!‬
      ‫ليبرر التناقض الظاهر بين‬         ‫أنها أربعة والعلم كاذب؟ أيهما‬                     ‫كما أنه تف َّضل بوصف مقالي بأنه‬
  ‫أحكام بعض الآيات‪ ،‬والتناقض‬           ‫أصوب؟ وهل نقول إن الأرض‬                           ‫«خلاصة كيد المستشرقين‪ ،‬وليس‬
   ‫بين أحكام القرآن والأحاديث‪،‬‬          ‫مسطحة والشمس تتحرك من‬                                ‫كيد مستشرق واحد”‪ ،‬ويقرر‬
  ‫والأحاديث مع بعضها البعض‪،‬‬           ‫الشرق للغرب وتغرق في البحر؟‬
                                      ‫أم نقر بحقائق العلم التي انبنت‬                         ‫بجرة قلم وبيقين وباطمئنان‬
     ‫وأنه رأي يمكن الأخذ به أو‬      ‫على صور واقعية للأرض وللكون‬                            ‫أنه –أي البحث‪“ -‬زبد فسيذهب‬
  ‫رفضه‪ ،‬خاصة أن أح ًدا لا يملك‬        ‫كله بمجراته وشموسه وكواكبه‬                          ‫وأما ما ينفع الناس فسيمكث في‬
                                                                                            ‫الأرض”‪ ،‬وهو بالطبع لا يقول‬
      ‫ثبتًا بالآيات المنسوخة‪ ،‬وأن‬        ‫وأقماره؟ هذا السؤال السهل‬                        ‫ما هو الذي ينفع الناس‪ ،‬هل هو‬
‫الخلاف في عددها بين الشارحين‬        ‫صعب في مخيلة ال ُح َّفاظ‪ ،‬الذين هم‬                    ‫السير كالأعمى في الطرقات؟ هل‬
                                    ‫مستعدون إلى إنكار ضوء الشمس‬                             ‫تصديق أي شخص لأنه ملت ٍح‪،‬‬
     ‫يرجح النفي وليس الإثبات‪.‬‬
    ‫ولأنني لا أريد أن أكرر نفس‬            ‫إن تعارضت مع نص قديم‬                               ‫أم تبرير ما لا يبرر‪ ،‬مثل نقله‬
  ‫الكلام فأحيل الزميل والمتابعين‬     ‫لرجل أمي كان يعيش في مجاهل‬                            ‫لمقاطع طويلة مضحكة في تبرير‬
                                     ‫الصحراء‪ ،‬جال ًسا أمام باب خيمة‬                       ‫(اللحون) التي وردت في القرآن‪،‬‬
                  ‫إلى هذا المقال‬                                                         ‫والتي اعترف ْت بها السيدة عائشة‬
                                                       ‫وسط الماعز!‬
                                      ‫أي ًضا لا أستغرب سؤال الزميل‬                            ‫وأرجعتها إلى أخطاء ال ُكتَّاب‪،‬‬
                                                                                          ‫وأقرها عثمان بن ع َّفان وتجاوز‬
                                        ‫«كنت أود أعرف مصادر هذا‬
                                       ‫البحث‪ ،‬فمعرفة المصدر يوضح‬
                                    ‫بطلان الشبهة أكثر”‪ ،‬لم أستغرب‬
   129   130   131   132   133   134   135   136   137   138   139