Page 139 - m
P. 139

‫‪137‬‬  ‫حول العالم‬

    ‫في الدواوين الحكومية في‬         ‫بحلول نهاية القرن الحادي‬        ‫خلال النصوص المحفوظة(‪.)5‬‬
 ‫أوائل القرن الثامن الميلادي‪.‬‬       ‫عشر الميلادي‪ ،‬لم تعد اللغة‬      ‫ومقارنة بالانتقال من اللغتين‬

     ‫وهكذا‪ ،‬اضطر الموظفون‬              ‫القبطية مفهومة من قبل‬             ‫السريانية واليونانية إلى‬
 ‫المسيحيون العاملون في هذه‬           ‫غالبية المسيحيين‪ .‬وينبثق‬       ‫العربية بين مسيحيي سوريا‬
 ‫الدواوين تعلُّم اللغة العربية‪.‬‬        ‫من هذه المقارنة سؤالان‬
                                  ‫أساسيان‪ :‬لماذا أحجم الأقباط‬            ‫وفلسطين وبلاد ما بين‬
     ‫ومرة أخرى‪ ،‬كانت اللغة‬        ‫بصورة كبيرة عن قبول اللغة‬             ‫النهرين‪ ،‬تعتبر التطورات‬
   ‫العربية في المقام الأول لغة‬        ‫العربية في البداية؟ ولماذا‬         ‫التي انتقلت بها اللغة في‬
 ‫كتابية‪ ،‬وإن كانت تختلف في‬        ‫ُه ِج َرت اللغة القبطية فيما بعد‬
 ‫أسلوب كتابتها عن الأسلوب‬                                                 ‫مصر غريبة؛ ففي حين‬
‫الكلاسيكي للقرآن‪ ،‬بحسب ما‬               ‫بهذه الوتيرة السريعة؟‬           ‫شرع المسيحيون في هذه‬
‫ُت ْظ ِهره البرديات المحفوظة(‪.)7‬‬    ‫إن أي محاولة للإجابة على‬           ‫المناطق بترجمة تراثهم إلى‬
                                  ‫هذين السؤالين يجب أن تتبع‬          ‫اللغة العربية خلال قرن من‬
       ‫وهكذا‪ ،‬من المرجح أن‬         ‫أو ًل مسار التطورات اللغوية‬        ‫الفتح العربي‪ ،‬وسارعوا إلى‬
    ‫اللغة العربية الموجودة في‬     ‫في مصر من القرن السابع إلى‬         ‫كتابة الأطروحات اللاهوتية‬
  ‫البرديات هي التي ساهمت‬            ‫القرن الثاني عشر الميلادي‬
                                   ‫وتضعها في سياق اجتماعي‬                 ‫باللغة العربية‪ ،‬يبدو أن‬
     ‫في تشكيل اللغة العربية‬          ‫لغوي‪ .‬وإنه لمن الضروري‬              ‫الأقباط في مصر قاوموا‬
    ‫الدارجة لعوام المصريين‪.‬‬          ‫هنا التمييز بين مستويات‬            ‫أي استخدام للغة العربية‬
   ‫ومع ذلك‪ ،‬نظ ًرا لعدم توفر‬       ‫الانتقال المختلفة من القبطية‬        ‫لما يقرب من مائتي عام(‪.)6‬‬
 ‫بيانات تاريخية مؤكدة‪ ،‬فإنه‬        ‫إلى العربية‪ .‬أو ًل‪ ،‬كانت اللغة‬      ‫ولكن عندما رضخ الأقباط‬
  ‫من الصعب متابعة الطريقة‬            ‫العربية لغة الدين الجديد‪،‬‬        ‫لاكتساح اللغة العربية‪ ،‬جاء‬
 ‫التي هجر فيها الأقباط اللغة‬                                        ‫رضوخهم بشكل أكثر شمو ًل‬
 ‫القبطية كلغة للتخاطب‪ .‬ومن‬            ‫أي الإسلام‪ ،‬واستخدمها‬            ‫من المسيحيين الآخرين في‬
    ‫المحتم أن الاختلافات بين‬               ‫الفاتحون المسلمون‬        ‫جميع أنحاء الشرق الأوسط‪.‬‬
 ‫البيئات الجغرافية والطبقات‬                                            ‫ففي حين استمر استخدام‬
  ‫الاجتماعية كانت اختلافات‬          ‫والمصريون الذين دخلوا في‬          ‫السريانية‪ ،‬وكذلك اليونانية‬
‫شاسعة‪ ،‬كما كان الاستخدام‬             ‫الإسلام‪ .‬وفي هذه المرحلة‪،‬‬          ‫نو ًعا ما‪ ،‬على نطاق واسع‬
                                                                       ‫حتى الوقت الحاضر‪ ،‬على‬
      ‫المزدوج للغتين القبطية‬           ‫كان الانتقال من القبطية‬      ‫الأقل كلغة روحية في الأديرة‬
   ‫والعربية في مجالات شتى‬            ‫إلى العربية جز ًءا من تغيير‬
   ‫من حياة الشخص ظاهرة‬            ‫الشعائر الدينية‪ ،‬مما يعني أنه‬            ‫وفي ممارسة الطقوس‬
                                   ‫كان هناك تحو ًل في المستوى‬        ‫والشعائر الدينية‪ ،‬فإن اللغة‬
     ‫طبيعية‪ .‬حيث إن النتائج‬
    ‫الضئيلة التي تم التوصل‬             ‫الأدبي الأعلى للغة حيث‬           ‫القبطية انقرضت بالكامل‬
   ‫إليها من محاولات الكشف‬           ‫حل القرآن محل النصوص‬             ‫تقريبًا‪ .‬وفي الوقت الذي نجد‬
 ‫عن التأثير القبطي على اللغة‬                                         ‫فيه أد ًبا عظي ًما مكتو ًبا باللغة‬
 ‫العربية المصرية المحفوظة في‬            ‫الليتورجية والإنجيلية‪.‬‬
  ‫البرديات وكذلك النصوص‬               ‫وعندئذ فقط‪ ،‬بدأ التحول‬            ‫السريانية خلال العصور‬
                                      ‫التدريجي في اللغة المحلية‬     ‫الوسطى‪ ،‬وبينما لا تزال اللغة‬
       ‫الأدبية للأقباط‪ ،‬تشير‬        ‫التي يستخدمها المسيحيون‬
 ‫بوضوح إلى أن اللغتين بقيتا‬                                           ‫السريانية لغة تخاطب حية‬
                                        ‫الذين اعتنقوا الإسلام‪.‬‬        ‫حتى اليوم‪ ،‬لا نجد مؤلفين‬
     ‫منفصلتين عن بعضهما‬               ‫ثان ًيا‪ ،‬كانت اللغة العربية‬    ‫بارزين كتبوا باللغة القبطية‬
   ‫البعض لأنهما تنتميان إلى‬                                            ‫بعد القرن العاشر‪ ،‬كما أن‬
‫بيئات وفئات مختلفة(‪ .)8‬ولكن‬            ‫لغة الحكام الجدد الذين‬
                                    ‫قرروا جعلها اللغة الرسمية‬            ‫هناك دليل دامغ على أنه‬
   134   135   136   137   138   139   140   141   142   143   144