Page 227 - m
P. 227

‫الملف الثقـافي ‪2 2 5‬‬

‫نزار قباني‬                      ‫فيثاغورس‬                         ‫“تجديد ذكري أبي العلاء»‪،‬‬
                                                                  ‫«مع أبي العلاء في سجنه»‪،‬‬
‫ما يمدهم بالقدرة على التفكير‬       ‫الحياة يرجع لتأثري بحياة‬      ‫«صوت أبي العلاء»‪« ،‬شرح‬
  ‫والإبداع‪ ،‬قبل أن تتحول لما‬    ‫وأدب المعري وآرائه في الزمن‬      ‫لزوم ما لا يلزم لأبي العلاء‬
                                 ‫والناس‪ ،‬لقد سبق شوبنهاور‬         ‫المعري»‪ ،‬تلك الكتب محطة‬
‫هي عليه الآن‪ ،‬لسبب أساسي‬                                       ‫هامة‪ ،‬بل إن شخصية المعري‬
‫أنها أغفلت أفكار ومبادئ طه‬         ‫في فلسفة التشاؤم‪ ،‬وعانى‬       ‫هي الشخصية المحورية في‬
‫حسين‪ ،‬الرجل الذي أراد لها‬          ‫من العزلة والنبذ باختياره‪،‬‬     ‫مشروع العميد كله‪ ،‬فكتب‬
‫أن تكون جامعة بحق ومركز‬            ‫ولم يهتم بالناس فاهتم به‬     ‫عنه مرات ومرات واستدعاه‬
 ‫استنارة في العالم العربي لا‬      ‫كل الناس‪ ،‬وسعوا لدراسته‬        ‫من ذاكرته ليستشهد به في‬
‫مجرد مركز لطبع الشهادات‪،‬‬                                         ‫موضوعات شتَّي‪ ،‬يبحث في‬
‫بل للأسف هناك من يزدريه‬                ‫وقراءة شعره ونثره‪..‬‬         ‫أشعاره وحياته عن أقوال‬
                                ‫المعري‪ ..‬إنني لو تركت لنفسي‬       ‫ومواقف يدرجها تأكي ًدا لما‬
              ‫ويسخر منه!‬        ‫حرية الاستمرار‪ ،‬لطال مكوثنا‬      ‫يقول ويسجل‪ ،‬كأنه يطمئن‬
 ‫في مقدمة الطبعة الثانية عام‬                                      ‫برفيقه وصاحبه‪ ،‬لقد كان‬
  ‫‪ ١٩٢٢‬يظهر استياء العميد‬          ‫في تلك المحطة للأبد‪ ،‬فلنعد‬    ‫المعري رج ًل غام ًضا يسكن‬
  ‫ممن يفتون ويقولون بغير‬         ‫لهذين الرجلين اللذين ما زالا‬  ‫كتب التاريخ والتراث‪ ،‬يختلف‬
 ‫علم وطريقة استقبالهم لهذا‬                                      ‫المستشرقون حوله‪ ،‬ولا يجد‬
 ‫الكتاب “وما زلت أنتظر نقد‬        ‫يتناجيان في تفاهم‪ ،‬ولنأخذ‬       ‫عناية من العرب المحدثين‪،‬‬
  ‫الناقد المخلص لا يدعوه إلى‬         ‫كتاب «تجديد ذكري أبي‬       ‫حتى أظهر طه حسين للعالم‬
  ‫نقده إلا حب العلم والرغبة‬
 ‫في الإصلاح‪ .‬فأما هذا الذي‬       ‫العلاء» الذي حصل به العميد‬        ‫المعري‪ ،‬وفتح بطن الكتب‬
 ‫يبغضك ويحقد عليك فيتخذ‬            ‫على درجة الدكتوراة في ‪١٥‬‬     ‫والمدونات الكبرى ليستخرج‬
‫النقد سبي ًل إلى إيذائك والنيل‬                                  ‫منها الرجل اللغز‪ ،‬وشخصيًّا‬
                                ‫مايو ‪ ،١٩١٤‬وهو في الخامسة‬      ‫تولهت بالمعري وأنا في مقتبل‬
   ‫منك‪ ،‬فخليق بك أن تتركه‬         ‫والعشرين‪ ،‬كأول رسالة في‬        ‫العشرينيات‪ ،‬حين قرأت ما‬
                                 ‫رحاب الجامعة المصرية حين‬
                                 ‫كانت تخ ِّرج الرسائل العلمية‬      ‫كتبه عنه العميد‪ ،‬والأديب‬
                                   ‫القيمة‪ ،‬ويدرس فيها الطلبة‬    ‫الفنان نجيب سرور في كتابه‬

                                                                   ‫“تحت عباءة أبي العلاء»‪،‬‬
                                                               ‫وقتها أدركت أنني أمام شاعر‬
                                                                ‫سيشغلني العمر كله ما شاء‬
                                                               ‫لي الله البقاء على ظهر الأرض‪،‬‬
                                                                ‫شاعر غامض ومليء بالرموز‬
                                                                ‫واللغة الملتوية‪ ،‬وله جرأة على‬

                                                                 ‫نقد الحياة بكل ما فيها‪ ،‬يذم‬
                                                                ‫فلا يعبأ أين يقع ذمه‪ ،‬ويعلن‬
                                                               ‫تشاؤمه فيثير كوامن الأحزان‬
                                                               ‫ويهيج خلايا التفكير في عقلي‪،‬‬

                                                                   ‫وأعتقد أن جز ًءا كبي ًرا من‬
                                                                   ‫ركوني للحزن والتأمل في‬
   222   223   224   225   226   227   228   229   230   231   232