Page 225 - m
P. 225

‫الملف الثقـافي ‪2 2 3‬‬

‫نفس الوقت قريب من الفلسفة‬        ‫وخروجه عن قوانين الدولة‪،‬‬         ‫وصل إليه من نتائج مؤكدة‬
  ‫المسيحية‪ ،‬لأن فلسفته قائمة‬          ‫لكن بعد أن مهد لظهور‬         ‫في وقت تأليف هذا الكتاب‪،‬‬
   ‫على أن الإله هو أساس كل‬
             ‫شيء ومبتغاه‪.‬‬         ‫اسمان من أعلام الإنسانية‪،‬‬         ‫لكان له رأي يختلف أشد‬
 ‫كحبات اللؤلؤ يلضم سقراط‬              ‫هما أفلاطون وأرسطو‪.‬‬          ‫الاختلاف‪ ،‬ولم يكن ليقول‬
    ‫مع تلميذه أفلاطون‪ ،‬حتى‬                                         ‫“نعتقد ونظن أن غيرنا من‬
 ‫ينتهي بتلميذ تلميذه أرسطو‪،‬‬     ‫مع كل شخصية يطبق العميد‬             ‫مؤرخي الفلسفة المحدثين‬
   ‫الذي “يؤثره وكان يسميه‬        ‫منهجه كما وضعه في مقدمة‬        ‫يعتقد أي ًضا أنه لم يكن للشرق‬
    ‫القراء وكان يسميه العقل‬     ‫كتابه “هذه الفصول مزاج من‬         ‫في تكوين الفلسفة اليونانية‬
 ‫أي ًضا”‪ ،‬وأرسطو هو الأستاذ‬       ‫البحث الفردي والاجتماعي‬          ‫والعقل اليوناني والسياسة‬
 ‫والمربي لأحد أشهر القادة إن‬      ‫سأجتهد ما استطعت في أن‬        ‫اليونانية تأثير يذكر‪ .‬إنما كان‬
‫لم يكن أشهرهم على الإطلاق‪،‬‬       ‫أبين فيها شخصية الفلاسفة‬       ‫تأثير الشرق في اليونان تأثي ًرا‬
    ‫فقد كان معل ًما للإسكندر‬
  ‫الأكبر صاحب المعارك التي‬          ‫والمفكرين الذين سأعرض‬                ‫عمليًّا ماد ًّيا لا غير»‪.‬‬
    ‫غيرت العالم للأبد‪ ،‬يسرد‬      ‫لهم‪ ،‬ولكن على أن تكون هذه‬         ‫عقب طرحه ما وصل إليه‪،‬‬
    ‫المتغيرات في عهد أرسطو‬                                        ‫يصور حياة سقراط معتب ًرا‬
    ‫ودوره في تاريخ الفلسفة‪،‬‬         ‫الشخصية متصلة بالبيئة‬          ‫إياه ابنًا لعصر الشك الذي‬
 ‫فهو المعلم الأول الذي سيطر‬           ‫التي نشأت فيها متأثرة‬
      ‫بمؤلفاته الأشبه بدائرة‬          ‫بها ومؤثر فيها أي ًضا»‪،‬‬        ‫اجتاح اليونان في العقود‬
  ‫المعارف على العقل الإنساني‬       ‫وبهذا المنهج يتجول بنا في‬     ‫التي سبقت ميلاده مع ظهور‬
                                   ‫مدن اليونان ويرسم لوحة‬
‫حتي عصر التنوير الأوروبي‪،‬‬           ‫للزمن اليوناني المضطرم‬        ‫السوفسطائيين‪ ،‬وعلى هدي‬
     ‫وآثر البحث المباشر على‬        ‫بعواصف الفكر والحروب‬           ‫قاعدة “اعرف نفسك» يذكر‬
                                    ‫والسياسة‪ ،‬ويلم بجوانب‬          ‫أن “الفلسفة يجب أن تقوم‬
    ‫أسلوب الحوار السقراطي‬           ‫فلسفة أفلاطون المتشعبة‬        ‫منذ اليوم على معرفة النفس‬
 ‫الأفلاطوني “الذي يعنيك من‬            ‫العميقة‪ ،‬ووجه الاتفاق‬      ‫والعلم بها‪ ،‬إن الفلسفة يجب‬
  ‫فلسفة أرسطاطاليس هو أن‬          ‫والاختلاف مع سقراط‪ ،‬ولا‬
                                 ‫يخفى على القارئ أن شرحه‬             ‫أن تكون إنسانية‪ ،‬أي أن‬
   ‫تعلم أنه الفيلسوف الوحيد‬       ‫لتلك الفلسفة يشوبه النقص‬      ‫الفلسفة يجب أن تقوم قبل كل‬
    ‫الذي حاول أن ينظم العلم‬         ‫والقصور‪ ،‬فأفلاطون بكل‬        ‫شيء على الأخلاق»‪ ،‬لقد أعلن‬
‫الإنساني من جهة ويستقصي‬              ‫أفكاره وحواراته يحتاج‬      ‫سقراط أنه لا يعرف شيئًا على‬
                                 ‫لكتاب ضخم “لست أنا الذي‬
      ‫قوانين التفكير والتعبير‬     ‫أستطيع وضعه»‪ ،‬ومع ذلك‬           ‫الإطلاق وهكذا أصبح أحكم‬
    ‫والسيرة العامة والخاصة‬         ‫يوجز فلسفة أفلاطون قدر‬                          ‫الحكماء!‬
   ‫من جهة أخري»‪ ،‬لقد تبين‬          ‫الإمكان‪ ،‬الباقية في المذاهب‬
  ‫في عصر النهضة الأوروبية‬             ‫الفلسفية والدينية‪ ،‬يلجأ‬       ‫يشبه سقراط بالفيلسوف‬
    ‫وقبلها في عصر الحضارة‬         ‫إليها المتصوفون والمفكرون‬         ‫الفرنسي ديكارت المولود‬
 ‫الإسلامية أن العديد من آراء‬       ‫والمتفلسفون‪ ،‬كلهم يغترف‬       ‫بعده بعشرين قر ًنا‪ ،‬فقد كان‬
    ‫أرسطو خاطئة‪ ،‬لكن يبقي‬         ‫من بحرها الواسع ما يعينه‬         ‫على الأول والثاني أن يثبت‬
   ‫استكشافه لقوانين القياس‬      ‫على طريقه الذي اتخذه لنفسه‪،‬‬          ‫نفسه أو ًل ليثبت حقائق‬
‫والاستقراء إنجا ًزا يبقى ببقاء‬    ‫وعرف في التراث الإسلامي‬            ‫عالمنا العجيب‪ ،‬ويبين أثر‬
  ‫الفكر البشري‪ ،‬وقل ذلك في‬        ‫بأفلاطون الإلهي‪ ،‬لقربه من‬     ‫الفلسفة السقراطية وما زرعته‬
    ‫توضيحه لقوانين الدراما‬      ‫الفلسفة الإسلامية‪ ،‬كما هو في‬         ‫في وجدان العالم القديم‪،‬‬
                                                                     ‫بتساؤلاته التي لا تنتهي‬
                                                                   ‫حول كل شيء‪ ،‬فنتج عنها‬
                                                                ‫إعدامه لتجرؤه على آلهة أثينا‪،‬‬
   220   221   222   223   224   225   226   227   228   229   230