Page 229 - m
P. 229

‫الملف الثقـافي ‪2 2 7‬‬

‫وجمال الربيع‪ ،‬وجمال الربي‪،‬‬          ‫احتماله ميسو ًرا‪ ،‬ولا الصبر‬     ‫فقد يتندرون عليه بإشارات‬
‫وعن اتساق الأزهار‪ ،‬والتفاف‬          ‫عليه إلا متكل ًفا‪ ،‬وليس يلقي‬    ‫الأيدي‪ ،‬وغمز الألحاظ‪ ،‬وهز‬
‫الأشجار‪ ،‬وعن اكتساء الأنهار‬
‫الجارية‪ ،‬والبحار الطامية ثيا ًبا‬       ‫المكفوف من رأفة الناس‬          ‫الرءوس وهو عن كل ذلك‬
‫فضية أو عسجدية في الصباح‬             ‫به‪ ،‬ورحمتهم له‪ ،‬وعطفهم‬            ‫غافل محجوب‪ ،‬فإن ن َّمت‬
‫والأصيل‪ ،‬وعن أولئك الحسان‬             ‫عليه‪ ،‬إلا ما يذكي الألم في‬      ‫عليهم بذلك حركة ظاهرة‬
                                      ‫صدره‪ ،‬ويضاعف الحزن‬             ‫أو صوت مسموع‪ ،‬فحجته‬
    ‫الفاتنات توردت خدودهن‬            ‫في قلبه‪ ،‬ثم هو لا يلقى من‬     ‫عليهم منقطعة‪ ،‬وحجتهم عليه‬
  ‫ولمعت ثغورهن اللؤلؤية بين‬       ‫قسوتهم وشدتهم واستهانتهم‬          ‫ناهضة‪ .‬وليس له في ذلك إلا‬
 ‫شفاههن اللعس‪ ،‬والتأمت من‬         ‫وازدرائهم إلا ما يشعره بالذل‬       ‫ألم يكتمه وحزن يخفيه‪ ،‬ثم‬
 ‫وجوههن وشعورهن نضرة‬                 ‫والضعة‪ ،‬وينبهه إلى العجز‬      ‫هو إن اشتد ذكاؤه‪ ،‬وانفسح‬
                                     ‫والضعف‪ .‬ومكان المكفوف‬          ‫رجاؤه‪ ،‬كثرت حاجته إليهم‪،‬‬
    ‫النهار وفحمة الليل‪ ،‬وعن‬          ‫في نفس زوجه وبنيه دون‬             ‫وكثرت نعمهم عليه‪ ،‬فهو‬
   ‫السماء وأفلاكها‪ ،‬والنجوم‬         ‫مكان المبصر‪ .‬فإجلالهم إياه‬       ‫عاجز عن تحصيل قوته إلا‬
    ‫وحركاتها‪ ،‬وعن السحاب‬          ‫محدود‪ ،‬وطاعتهم له مقصورة‬            ‫بمعونتهم‪ ،‬وهو عاجز عن‬
‫المركوم يخفق فيه البرق‪ ،‬وعن‬        ‫على ما ينتبه إليه‪ ،‬ثم هو بعد‬      ‫شفاء نفسه من حيث العلم‬
‫حبات البرد تتساقط‪ ،‬وقطرات‬          ‫ذلك كله قد حرم التمتع بلذة‬       ‫والمطالعة إلا بتفضلهم‪ .‬وهو‬
  ‫المطر تنثر‪ ،‬وعن ضوء القمر‬         ‫يكبرها الناس‪ ،‬وجهله إياها‬        ‫عاجز عن الكتابة والتحرير‬
   ‫هلا ًل أو بد ًرا‪ ،‬وعن الشفق‬       ‫يضاعف خطرها في نفسه‪.‬‬           ‫إلا إذا أعانوه وتطولوا عليه‪.‬‬
                                   ‫فإن تعاطى صناعة الشعر أو‬            ‫وللمنن المتظاهرة والآلاء‬
           ‫أول الليل وآخره‪.‬‬        ‫الوصف فإن هذا الحرمان قد‬            ‫المتواترة في نفس العاجز‬
  ‫يسمع أحاديثهم عن هذا كله‬         ‫استتبع ضعف خياله‪ ،‬وحال‬           ‫الفطن أثر هو الشكر يشوبه‬
                                     ‫بينه وبين مجاراة الشعراء‬
    ‫وما أبدعوا فيه من تشبيه‬         ‫والواصفين فيما يتنافسون‬             ‫الحزن‪ .‬والثناء يمازجه‬
      ‫لا يعقله ولا يفقه كنهه‪،‬‬         ‫فيه‪ ،‬إلا أن يكون مقل ًدا أو‬  ‫الأسى‪ .‬والحرمان أخف عليه‬
                                   ‫محتذ ًيا‪ ،‬ثم هو يسمع الناس‬
   ‫فض ًل عن أن يجاريهم فيه‬           ‫يتحدثون عن بهجة الربيع‪،‬‬         ‫من منة يعقبها َم ٌّن‪ ،‬ونافلة‬
  ‫أو يسبقهم إليه‪ ،‬ثم هو بعد‬                                          ‫يشوبها استطالة‪ .‬ولشعور‬
                                                                      ‫الإنسان بعجزه وقع ليس‬
      ‫ذلك قاعد إن نفر الناس‬
     ‫لقتال أو حرب‪ ،‬قد يئس‬
   ‫وطنه من نصره‪ ،‬وقنط من‬
 ‫حفاظه فلم ينط به أم ًل‪ ،‬ولن‬
   ‫يعقد به رجاء‬
   ‫َك ٌّل على الناس‬
    ‫في كل شيء‪،‬‬
   ‫تكلة في حياته‬
‫المادية والمعنوية‪،‬‬
   ‫فاليأس أخلق‬
  ‫به من الرجاء‪،‬‬
     ‫والموت خير‬
    ‫له من الحياة‬
  ‫إلا أن تكون له‬
 ‫نافلة من فضيلة‬
   ‫الصبر وشدة‬
   224   225   226   227   228   229   230   231   232   233   234