Page 228 - m
P. 228

‫العـدد ‪59‬‬                                 ‫‪226‬‬

                                 ‫نوفمبر ‪٢٠٢3‬‬                            ‫وشأنه‪ ،‬وأن تنصرف عنه‬
                                                                        ‫إلى ما ينفع ويفيد»‪ ،‬وانظر‬
   ‫يبق ما يحمل على لوم أبي‬          ‫أراد أن يتقن الفهم لما ترك‬          ‫إليه قبل ما يقرب من قرن‬
     ‫العلاء أو تأنيبه‪ ،‬فإن كل‬       ‫الكاتب والشاعر من الآثار‪.‬‬         ‫كيف جعله التعليم الحقيقي‪،‬‬
   ‫شيء حوله إنما كان يزهد‬                                               ‫واعيًا بماهية النقد‪ ،‬مدر ًكا‬
    ‫العاقل في الحياة‪ ،‬ويرغبه‬         ‫وإذا اللغة العربية وحدها‬           ‫للأدوات والمعارف الواجب‬
     ‫عنها‪ ،‬ويملأ نفسه سوء‬            ‫لا تكفي لمن أراد أن يكون‬           ‫توافرها عند الناقد الأدبي‪،‬‬
   ‫ظن بها‪ ،‬وقبح رأي فيها»‪.‬‬         ‫أديبًا أو مؤر ًخا للآداب ح ًّقا‪،‬‬   ‫وقارن ذلك بما يكتبه أدعياء‬
  ‫ويستكمل العميد استقصاء‬           ‫إذ لا بد له من درس الآداب‬           ‫النقد فلا تجد فيه فائدة ولا‬
‫الحياة الاقتصادية التي كانت‬         ‫الحديثة في أوروبا‪ ،‬ودرس‬            ‫لذة “أنشئ قسم الآداب في‬
   ‫تب ًعا للحياة السياسية غاية‬   ‫مناهج البحث عند الفرنج‪ ،‬بله‬             ‫الجامعة‪ ،‬ودعي إليها جلة‬
 ‫في القسوة والشظف‪ ،‬وأكمل‬         ‫ما كتب الأساتذة الأوروبيون‬              ‫الأساتذة المستشرقين في‬
  ‫دراسته بالحياة الدينية بعد‬
   ‫أن توسعت المذاهب الدينية‬             ‫في لغاتهم المختلفة عما‬            ‫إيطاليا وفرنسا وألمانيا‪،‬‬
     ‫وتعقدت المفاهيم بعد أن‬       ‫للعرب من أدب وفلسفة ومن‬            ‫وانتسبت لهذا القسم‪ ،‬وأخذت‬
 ‫كانت بسيطة في حياة النبي‪،‬‬
   ‫واتخذت كأسلحة للصراع‬                      ‫حضارة ودين»‪.‬‬                ‫أسمع الدروس فيه‪ .‬فإذا‬
     ‫السلطوي وأثر ذلك على‬         ‫ويفصل الحوادث والخطوب‬               ‫ألوان من الدروس لم أعرفها‬
  ‫الحياة الاجتماعية والخلقية‪،‬‬       ‫في عصر أبي العلاء متنق ًل‬         ‫من قبل‪ .‬وإذا فنون من النقد‬
‫وفي نفس الوقت كانت الحياة‬
     ‫العقلية في ازدهار فيفرد‬           ‫من الحروب للدسائس‬                  ‫لم يكن لي بها عهد‪ .‬وإذا‬
  ‫فصو ًل لعلوم وآداب عصر‬           ‫للمؤامرات المحاكة طم ًعا في‬          ‫دارس الأدب لنفسه ينبغي‬
   ‫المعري “فإنا نعتقد اعتقا ًدا‬    ‫الملك والسلطة‪ ،‬منهج العميد‬        ‫أن يدرس جيده ورديئه‪ ،‬وأن‬
‫منطقيًّا تؤيده حقائق التاريخ‪،‬‬      ‫المعتاد في دراسة الشخصية‬          ‫يتقن غثه وسمينه على السواء‬
‫أن المسلمين لم يشهدوا عص ًرا‬                                            ‫من غير تفاوت ولا تفريق‪.‬‬
    ‫زهت فيه حياتهم العقلية‪،‬‬          ‫فهي ليست كيا ًنا مقطوع‬           ‫وإذا الباحث في تاريخ الآداب‬
‫وأتت أطيب الثمر وألذ الجني‪،‬‬           ‫الصلة بالعالم انبتت من‬         ‫ليس عليه أن يتقن علوم اللغة‬
 ‫كهذا العصر الذي نبحث عنه‬         ‫فراغ‪ ،‬بل ثمرة لعصر وحياة‬            ‫وآدابها فحسب‪ ،‬بل لا بد له‬
                                    ‫وتركيبة اجتماعية أفرزتها‬           ‫أن يلم إلما ًما بعلوم الفلسفة‬
               ‫ونقول فيه»‪.‬‬         ‫على منوال محدد‪ ،‬ويطيل في‬           ‫والدين‪ ،‬ولا بد له أن يدرس‬
    ‫يتماهي العميد إلى أقصي‬       ‫التفصيل شار ًحا كل ما يتصل‬          ‫التاريخ وتقويم البلدان در ًسا‬
     ‫درجة مع المعري واص ًفا‬         ‫بهذا العصر ويبرر الأطالة‬
 ‫حياة المكفوف‪ ،‬فلا تدري هل‬         ‫بأن “هذه الحياة السياسية‬              ‫مف َّص ًل‪ .‬وإذا الباحث عن‬
 ‫يصف حال المعري أم يصف‬                ‫المملوءة بالفزع والهول‪،‬‬           ‫تاريخ الآداب لا يكفيه من‬
      ‫حاله هو أم يصف حال‬            ‫وبالاختلاف والاضطراب‪،‬‬            ‫درس اللغة حسن البحث عما‬
 ‫العميان كلهم‪ ،‬بكلمات دقيقة‬      ‫وبالفساد والانتقاص‪ ،‬وبالكيد‬            ‫في القاموس واللسان وما‬
   ‫تمس القلب وتجعلنا ننظر‬             ‫والخديعة‪ ،‬قد عملت من‬              ‫في المخصص والمحكم‪ ،‬وما‬
 ‫إلى الرجلين م ًعا نظرة ملؤها‬      ‫غير شك عم ًل غير قليل‪ ،‬في‬          ‫في التكملة والعباب‪ .‬بل لا بد‬
  ‫العطف والإكبار “والمكفوف‬        ‫تكوين الفلسفة العلائية‪ ،‬فلا‬         ‫له مع ذلك أن يدرس أصول‬
   ‫إذا جالس المبصرين أعزل‪،‬‬          ‫بد من فهمها إذا حاولنا أن‬           ‫اللغة القديمة‪ ،‬ومصادرها‬
                                     ‫نفهم أبا العلاء‪ .‬ونحن إذا‬       ‫الأولى‪ .‬وإذا الباحث عن تاريخ‬
      ‫وإن بزهم بأدبه وعلمه‬         ‫فهمنا هذه الحياة السياسية‬         ‫الآداب لا بد له أن يدرس علم‬
    ‫وفاقهم في ذكائه وفطنته‪،‬‬         ‫السيئة‪ ،‬وقرناها إلى غيرها‬        ‫النفس للأفراد والجماعات إذا‬
                                 ‫من الأسباب التي اشتركت في‬
                                   ‫تكوين هذا النسيج الفلسفي‬
                                     ‫التي تمثله اللزوميات‪ ،‬لم‬
   223   224   225   226   227   228   229   230   231   232   233