Page 231 - m
P. 231

‫الملف الثقـافي ‪2 2 9‬‬

‫من حب الأدب وعشق القراءة‬            ‫القصص المقررة قبل بدء‬           ‫شهرته بعد ألف ليلة وليلة‪،‬‬
‫وتقديس المعرفة‪ ،‬لكن للأسف‬        ‫موسم المدارس‪ ،‬لأن تجاربي‬            ‫ولن أنقل هنا أي اقتباسات‬
                                 ‫المريرة في هذا المجال جعلتني‬        ‫منه‪ ،‬لأن الاقتباس من ذلك‬
  ‫لم يتم الاستفادة من تقرير‬       ‫أعرف ما الذي سيفعل بتلك‬             ‫المجلد يشعرني أني جزار‬
‫ذلك الكتاب الفريد على شباب‬                                           ‫أقبض بكفي على الساطور‪،‬‬
                                    ‫القصص‪ ،‬وكيف ستقدم‪،‬‬            ‫وأقتطع من كائن حي له كيان‬
      ‫الأمة ورجال المستقبل‪.‬‬         ‫ولأي مدي ستكون ثقيلة‬
  ‫محطات طه حسين عديدة‪،‬‬           ‫على نفسي‪ ،‬كار ًها لها‪ ،‬عندما‬          ‫وروح‪ ،‬وحتى لو تجرأت‬
 ‫ومن المستحيل الإلمام بها في‬     ‫تقع في يد شخص غير مؤهل‬              ‫واقتبست منه فسأحتار ما‬
  ‫مقال أو حتي كتاب‪ ،‬إنه من‬        ‫للسمو لمقام التدريس العالي‬        ‫الذي أنقله وما الذي أتركه‪،‬‬
  ‫ُصنَّاع الثقافات كفولتير في‬     ‫والتعليم الحق لا نفسيًّا ولا‬    ‫إن الكتاب كله قصيدة شعرية‬
 ‫فرنسا وشكسبير في إنجلترا‬            ‫علميًّا ولا تربو ًّيا‪ ،‬وكيف‬   ‫أو قصة شعرية بمعني أدق‪،‬‬
  ‫وجوتة في ألمانيا‪ ،‬يحتاج إلى‬                                       ‫عن الذات والوعي والمجتمع‬
                                      ‫سيجعلها هذا الشخص‬
    ‫دراسات دورية متعمقة‪،‬‬        ‫مصد ًرا للإزعاج‪ ،‬وقرأتها بعد‬           ‫والعلم والنضال والشعر‬
 ‫المحطات كثيرة ج ًّدا‪ ،‬والمجال‬                                         ‫والحب والألم والصداقة‬
‫محدود فلنكتف بتلك الإطلالة‬          ‫ذلك أكثر من مرة‪ ،‬وكأني‬           ‫والسياسة والحزن والموت‬
  ‫السريعة علي درب العميد‪..‬‬          ‫أقرأها لأول مرة‪ ،‬وأعيش‬             ‫والزواج والعمي والأبوة‬
 ‫وفي نهايتها سنحد تمثال طه‬      ‫حياة صاحبنا‪ ،‬أحاول اختراق‬            ‫والغربة والحرب والسلام‬
 ‫حسين كما تخيله الفنان عبد‬           ‫الجدران لأتسمع صوت‬                ‫والعلم والنضال والسفر‬
                                   ‫الشاعر وهو ينشد قصص‬            ‫والحب‪ ،‬وشتى معاني الحياة‪،‬‬
   ‫الهادي الوشاحي منتصبًا‬          ‫الزناتية والهلالية‪ ،‬وأخاف‬          ‫وهذا هو ما يسمى الأدب‬
      ‫عملا ًقا كأنه يستشرف‬        ‫أن تعبث بي العفاريت لي ًل‪،‬‬            ‫العظيم والكتب الخالدة‬
      ‫المستقبل ممتلئًا بالعزة‬      ‫وأشعر بلحية شيخ الكتاب‬             ‫تتمتع بتلك الروح المنبعثة‬
                                     ‫بين أصابعي‪ ،‬وأنام على‬         ‫من صدقها وحرارتها‪ ،‬تجعل‬
  ‫والكرامة‪ ،‬وبجانبه بحروف‬           ‫الحصيرة‪ ،‬وأذوق العسل‬            ‫القارئ يعيش معها ويحس‬
    ‫من ذهب كتاب “مستقبل‬            ‫الأسود وخبز الأزهر الذي‬        ‫بكل ما تحس به الشخصيات‪،‬‬
                                   ‫يجد فيه الأزهريون الويل‪،‬‬          ‫يتألم معها ويفرح وسطها‬
 ‫الثقافة في مصر» ليفتحه كل‬      ‫وأدمع حين أرى ابنة صاحبي‬          ‫متوح ًدا مع حياتها‪ ،‬مثلما فعل‬
‫ذي عين وبصيرة‪ ،‬وليقرأ فيه‬        ‫تبكي وهي تسمع منه لقصة‬              ‫طه حسين بنا في مذكراته‪،‬‬
‫ليجد منق ًذا من مصائب كثيرة‬        ‫أوديب‪ ،‬لأنها ترى في عمى‬        ‫وكان صاد ًقا لأقصي درجات‬
 ‫ولدت داء التخلف والتراجع‪،‬‬          ‫أوديب وعذابه ص ًدى من‬              ‫الصدق‪ ،‬عاز ًفا على أوتار‬
                                   ‫عمى أبيها وعذابها‪ ،‬فتبكي‬       ‫اللغة‪ ،‬ولو لم تكن الأيام كتا ًبا‬
      ‫لأنه يهتم بأخطر وأ َجل‬    ‫الطفلة على أبيها وتقبله حنا ًنا‪،‬‬    ‫لكانت كونشيرتو موسيقي‬
  ‫مشكلة وهي التعليم المندثر‬     ‫وأعبر البحر في المركب‪ ،‬وأقوم‬          ‫تتحاور فيه جميع الآلات‪،‬‬
 ‫تقريبًا في مصر‪ ،‬ففيه وضع‬        ‫بكل ما يقوم به صاحبي طه‬            ‫ومن جناية التعليم في مصر‬
‫العميد خلاصة آرائه للنهوض‬       ‫حسين‪ ،‬إن لم يكن ذلك هو فن‬            ‫أن جعل ذلك الكتاب البديع‬
‫بمصر‪ ،‬ولا نهوض لأي شعب‬           ‫الأدب فما هو إذن؟ إن الأيام‬      ‫مثار سخرية الطلبة وبغضهم‪،‬‬
   ‫سوى بالتعليم‪ ،‬فيه ستجد‬         ‫آية من آيات الأدب العربي‪،‬‬            ‫وشخصيًّا أحمد الله أني‬
   ‫عر ًضا للمشاكل المزمنة في‬       ‫بل والعالمي‪ ،‬ومن المفترض‬             ‫كنت شغو ًفا بالقصص‬
‫النظام التعليمي وحلها‪ ،‬وظلت‬      ‫أن كل من يدرس ذلك الكتاب‬            ‫منذ صباي‪ ،‬فاعتدت قراءة‬
‫تلك الحلول على الأوراق دون‬        ‫دراسة حقة يمسه بصيص‬
 ‫تنفيذ منذ ‪ ١٩٣٨‬حتى اليوم!‬
   226   227   228   229   230   231   232   233   234   235   236