Page 220 - m
P. 220
العـدد 59 218
نوفمبر ٢٠٢3 تلك المنطقة المنكوبة التي
تخلفت عن قطار الحضارة
مع أحد أهم مثقفي مصر عكست للأسف صورة الذي يسير اليوم بالطاقة
في القرن العشرين ،نسمع مشوهة للرجل وأفكاره في النووية والذكاء الاصطناعي
منه ونستمتع معه ،أجل إن أذهان العامة ،ومن يحشون والتكنولوجيا وسباق الفضاء،
قراءة طه حسين متعة وأي رؤوسهم بالكلام السائر في بالآداب الإنسانية من قصة
متعة ،أحيا ًنا أرثي لمن ُحرم الهواء ويخوضون في أي ومسرح ورواية ،بالفنون
موضوع دون قراءة أو دراية،
منها ،إنه يؤثر في العقل السينمائية والتشكيلية
والحواس جمي ًعا ،فيجعل خاصة في مجتمع لم يعد فتتباهي الأمم بإنجازاتها
القارئ مشدو ًدا إليه منجذ ًبا فيه تقريبًا أي تعليم من أي العلمية والثقافية والأدبية،
نوع -وهو أكثر ما خشي ونحن كلما تعلمنا ننسي،
بكليته خاصة لو تمثل منه طه حسين وأشفق على فحق لنجيب محفوظ أن نردد
صوته العميق وهو يملأ فمه الأمة منه ،-مجرد شهادات معه «آفة حارتنا النسيان»،
مطبوعة وألقاب طويلة أُخذت وكلما نهضنا سقطنا ،فمازلنا
بحروف العربية فيكسيها نتهجي الحروف الأولى من
فخامة ويعطي لكل كلمة حقها بكل الطرق الممكنة ،عدا أساسيات التقدم ،ولقد ح َّث
الطريق الواحد الصحيح، العميد منذ أكثر من قرن
فتخرج فصيحة كما تكون هو التعليم الجاد الذي يمس أن تلحق مصر ومعها بقية
الفصاحة ،فيؤدي القارئ العقل بنوره فيتألق في رأس العرب بقطار الحضارة حتى
أثناء قراءته عم ًل يحترم فيه صاحبه ،ويهدي النفس لا يكون للأجنبي فضل علينا،
ضميره وعقله وكيانه كإنسان بإشراقه فيعمل الإنسان بجد لكنه تعرض لما يتعرض له
مفكر ،إنها متعة كبري ولذة فيفيد نفسه ويفيد مجتمعه المصلحون من هدم وتشويه
فائقة ،أن نرى كيف ينتقي وبلده ،ويرفع المواطن المصري ممن تكمن مصالحهم في
والعربي رأسه أمام الأجانب، استثمار تخلف الشعوب
الكلمات ويش ِّكل الجمل وينافسهم ن ًّدا بند كما تمني وجهلها ،وتقييدها للأبد في
ويصيغ الفقرات ،فيصنع منها طه حسين ،ومن قرأ رواية خانة المستهلك واعتبارها
صاحب الظل الطويل يعرف
المعاني الواضحة السامية، ماهية التعليم الحق وكيف مجرد سوق لتصريف
فترفع معها الذوق وتنبو صنع من جودي أبوت اليتيمة السلع بأشكالها المختلفة ،من
به عن السطحية والابتذال، الساذجة عديمة الثقافة فتاة بضائع تجارية لأفكار فاسدة
وتجعلنا على تقدير كامل ناضجة العقل والتفكير، لاتجاهات متخلفة ،يسوءهم
لعبقرية تلك اللغة العذبة أن يستنير الناس ويتعلمون،
القادرة على التعبير والانقياد تغيرت نظرتها للحياة لأن في ذلك نهايتهم وخرابهم،
وأصبحت مستعدة لمواجهة
لشخص متعلم يعرف العالم المضطرب من حولها. فعملوا بكل قوة على هدم
أسرارها ويستجلي معانيها إن ذلك المشروع أشبه بدرب مشروع طه حسين بمعاول
فيفيد منها ويستفيد بها غيره.
“الفائدة” ربما هو عنوان طويل وشاق ،قطعه طه الأكاذيب والإشاعات
مشروع طه حسين ودربه حسين عبر عقود طويلة والتسفيه والاتهامات الباطلة
الذي حارب ليشقه ،ليفيد بني تراكمت فيها مؤلفاته التي التي لاحقته حيًّا وميتًا ،ولم
وطنه ويؤدي دوره كمثقف يعرض فيها رؤيته العامة تنل من قامته عند العارفين
للثقافة والتاريخ والتعليم
عضوي صاحب رسالة، والتراث ،تلك المؤلفات هي المدركين لقيمته ،لكنها
مدر ًكا أن قيمة المرء الحقيقية المحطات التي سنقف عندها،
لا تكمن في مركزه ولا ماله
ولا نسبه ولا سلامة أعضائه،
بل في قدرته على العطاء ومدى
استمراره فيه ،وقد أعطي