Page 215 - m
P. 215

‫الملف الثقـافي ‪2 1 3‬‬

   ‫السينمائية قدراتها الهائلة‬    ‫اعتبار لضعفها هو مسؤولية‬             ‫شغفه بها دون أن يكون‬
   ‫التي تمنحها قدرة التعبير‬       ‫الجميع‪ ،‬وهي الأرضية التي‬          ‫لهذا الشغف إطار مجتمعي‬
   ‫الجيد عن الكامن في باطن‬         ‫يؤسس عليها النص الأدبي‬
    ‫النص الأدبي؛ فعلى حين‬          ‫مناقشة قضيته‪ ،‬وكذلك طه‬              ‫مقبول‪ ،‬وهو ما يعكسه‬
  ‫يستخدم طه حسين صوت‬                                                  ‫الحوار بين هنادي وآمنة‬
‫الطيور ونباح الكلاب كتمهيد‬          ‫حسين؛ «فهو في أدبه كله‬         ‫في اقترابهما من منزلهما في‬
                                  ‫يدير الأحداث والشخصيات‬
     ‫لمقتل «هنادي»‪ ،‬أو بلغة‬                                                           ‫القرية‪.‬‬
‫السينما «غر ًسا»(‪ )11‬للآتي من‬           ‫والأفكار مرتبطة كلها‬         ‫إن هذه البداية التي قدمها‬
                                     ‫بأبعادها الاجتماعية أشد‬      ‫الفيلم تمهد لهذا المصير الذي‬
   ‫الأحداث‪ ،‬فإن الفيلم يعمد‬                                         ‫واجهته هنادي‪ ،‬بل وتجعله‬
  ‫إلى تقديم مشهد يجمع بين‬               ‫الارتباط لأنها تستمد‬       ‫أم ًرا طبيعيًّا؛ فليس الأمر هنا‬
                                    ‫وجودها الحي‪ ،‬وتطورها‪،‬‬            ‫هو إغواء «مهندس الري»‪،‬‬
   ‫خديجة بنت المأمور وهي‬           ‫وتقلبها‪ ،‬وخطرها‪ ،‬من تلك‬         ‫بقدر ما هو استعداد طبيعي‬
     ‫تقرأ على مسامع «آمنة»‬         ‫الأبعاد الاجتماعية قبل كل‬         ‫في شخصية «هنادي»‪ ،‬في‬
  ‫تلك القصة لفتاة استجابت‬          ‫شئ»(‪ .)10‬بينما يأتي الفيلم‬        ‫حين أن البداية الأدبية في‬
‫للإغواء باسم الحب‪ ،‬وانتهت‬         ‫السينمائي بحسابات أخرى‪،‬‬          ‫رواية «دعاء الكروان» تجعل‬
   ‫حياتها بوصم المجتمع لها‬        ‫واختيار زوايا للرؤية ليست‬          ‫الاعوجاج في فكر المجتمع‪،‬‬
  ‫وإبراء ذمة الجاني‪ ،‬ليتبعه‬       ‫بالضرورة ترجمة حرفية لما‬         ‫وتنفذ إلى تجسيده من خلال‬
  ‫بمشهد لفلاح يروي أرضه‬             ‫جاءت به الرواية أو النص‬
‫بالشادوف مستمت ًعا بصوت‬                                                 ‫اللغة المستخدمة وكيف‬
 ‫المنشد الشعبي «محمد طه»‪،‬‬             ‫الأدبي؛ إذ هي في نهاية‬      ‫ينظرون إلى طريقة نطق اسم‬
                                 ‫المطاف قراءة إبداعية تستثمر‬       ‫قريتهم ويستحون منه؛ فقد‬
                ‫وهو يقول‪:‬‬                                         ‫«كان أهل القرية ومن حولها‬
      ‫«يا ليلي يا ليلي يا ليل‪..‬‬       ‫طاقات اللغة السينمائية‬      ‫ُيميلون الألف قلي ًل ويذهبون‬
 ‫أنا عجبي على غزالة بيجري‬          ‫وتحاول التعبير من خلالها‬        ‫بها نحو الياء‪ ،‬فما أسرع ما‬
                                    ‫بقدر المستطاع عن الحدث‬
               ‫وراها جبان‪،‬‬                                          ‫أصبح ُسبَّ ًة وعا ًرا ُيعاب به‬
    ‫بالاسم صياد‪ ،‬وبالفعل‬               ‫الرئيس والشخصيات‬              ‫أهل القرية‪ ،‬وكيف لا وقد‬
                                 ‫الرئيسة‪ ،‬وأحيا ًنا تضيف إلى‬      ‫أصبح اسمها «بين الوركين»‪،‬‬
          ‫خسيس وجبان»‪.‬‬           ‫الشخصيات الثانوية ما يمكن‬            ‫وما أسرع ما أصبح أهل‬
   ‫وهذا الغرس في المشهدين‬        ‫أن يسهم في توضيح الفكرة‪،‬‬             ‫القرية يستحون من اسم‬
   ‫الذي يأتي متبو ًعا بمشهد‬                                        ‫قريتهم ويكرهون الانتساب‬
    ‫قتل «هنادي»‪ ،‬إنما يشير‬         ‫أو تختزل من الشخصيات‬
    ‫إلى المجتمع في مستوياته‬      ‫ما يشكل حمولة زائدة داخل‬              ‫إليها»(‪ ،)9‬وهذه الالتفاتة‬
  ‫الأرستقراطية التي تتعامل‬                                         ‫اللغوية من طه حسين تشير‬
 ‫مع درجات أعلى وأرقي من‬                               ‫الفيلم‪.‬‬      ‫في غير مواربة إلى هذا الطبع‬
‫الفكر‪ ،‬وهذا المستوى الشعبي‬               ‫إن تخفي ًضا لغو ًّيا في‬   ‫المعوج الذي لم يتسامح فيما‬
‫الذي يتمثل مورثه في التعبير‬           ‫تناول الفيلم للرواية قد‬
                                     ‫حدث لا شك‪ ،‬خاصة مع‬               ‫فعلته إمالة اللغة في اسم‬
     ‫عن موقفه تجاه أحداث‬            ‫تلك الاستطرادات اللغوية‬           ‫قريتهم‪ ،‬فهل يتسامحون‬
   ‫بعينها‪ ،‬وهما في تتابعهما‬      ‫والبلاغية التي استخدمها طه‬        ‫في طبع مائل لإنسان يعيش‬
   ‫يجسدان فكرة الجمع بين‬         ‫حسين لتجسيد البعد النفسي‬              ‫بينهم؟! من ثم فإن ترك‬
   ‫انتقاد الريف والحضر ما‬          ‫للشخصية أو للحفر الغائر‬
    ‫لم يتطور الوعي لديهما‪،‬‬          ‫في تفاصيل المكان‪ ،‬غير أن‬            ‫هذه الفتاة الغرة لمدينة‬
‫وتكون النتيجة فقدان الحياة‬        ‫للصورة بلاغتها التي تغني‬           ‫تنهش جسدها دون أدنى‬
                                 ‫عن تلك الاستطرادات‪ ،‬وللغة‬
   210   211   212   213   214   215   216   217   218   219   220