Page 214 - m
P. 214

‫العـدد ‪59‬‬                             ‫‪212‬‬

                               ‫نوفمبر ‪٢٠٢3‬‬                          ‫والبصرية‪ ،‬وغيرها من‬
                                                                      ‫الكلمات التي تخاطب‬
‫مشهد من فيلم دعاء الكروان‬
                                                                     ‫الحواس على اختلافها‪.‬‬
 ‫ملء البلاص‪ ،‬والذي يحتشد‬         ‫الآتي من الأحداث‪ ،‬وكأنها‬       ‫والأمر عند «هنري بركات»‬
    ‫برمزيات كثيرة‪ ،‬منها ما‬        ‫تعضد صوت الكروان في‬          ‫مختلف؛ فتركيزه كان منصبًّا‬
                                  ‫خفوته ورقته‪ ،‬وتنبئ معه‬
‫ارتبط بنصف البلاص الممتلئ‬                                          ‫على الشخصية الإنسانية‬
‫الذي تحمله «هنادي»‪ ،‬والذي‬             ‫عن هول ما سيحدث‪.‬‬           ‫في علاقاتها بالآخر‪ ،‬وكيف‬
                                ‫وبقدر من الالتزام بالترتيب‬        ‫يبرز طبيعة هذه العلاقات‬
   ‫يجعل حركتها خفيفة غير‬                                        ‫من خلال وسائله التعبيرية‬
  ‫مستقرة‪ ،‬في مقابل البلاص‬         ‫الزمني للأحداث كما جاء‬         ‫التي تعود إلى لغة السينما‪،‬‬
                                 ‫بها النص الأدبي‪ ،‬الذي بدأ‬     ‫وتختلف كثي ًرا عن لغة الأدب‬
    ‫الممتلئ حتى نهايته الذي‬       ‫بلحظة حاضرة‪ ،‬يعود من‬          ‫في تقديمها معاد ًل بصر ًّيا لما‬
‫تحمله «آمنة»‪ ،‬وهو ما يجعل‬        ‫خلالها للماضي مفس ًرا ما‬      ‫جسدته الرواية من انفعالات‬
  ‫حركتها متئدة متزنة‪ ،‬الأمر‬      ‫يرتبط بها من دوافع تجعل‬         ‫متباينة؛ فكانت البداية التي‬
                                  ‫الشخصية على هذا النحو‬        ‫اتفقت تما ًما مع النص الأدبي‬
   ‫الذي يعد بمثابة التأسيس‬     ‫الذي طالعتنا به البداية‪ ،‬يفعل‬    ‫في أن يكون أول ما يصافح‬
   ‫لطبيعة كلا الشخصيتين‪،‬‬        ‫الفيلم أي ًضا‪ ،‬غير أنه في تلك‬   ‫عين المتلقي هو وجه «آمنة»‬
     ‫ومنها انشغال «هنادي»‬       ‫العودة يقدم ُبع ًدا لشخصية‬
‫بصوت المزمار‪ ،‬والذي يرتبط‬         ‫«هنادي» يختص به الفيلم‬           ‫وهي تجلس في منتصف‬
   ‫في المخيلة الشعبية بلحظة‬      ‫دون الرواية‪ ،‬يص ِّورها على‬         ‫تلك الغرفة التي شهدت‬
    ‫سعادة لا تلبث أن تزول‬       ‫أنها فتاة غرة تميل لمعسول‬         ‫الاعتداء على شرف أختها‬
     ‫وتتبدل‪ ،‬فض ًل عن حالة‬       ‫الكلام دون أن تستقر على‬       ‫«هنادي»‪ ،‬وهو في تلك البداية‬
   ‫العطش المعلنة من صاحب‬       ‫وجهة‪ ،‬وهو ما يعكسه مشهد‬              ‫لا يلفت الأنظار فقط إلى‬
                                                                 ‫«آمنة» بوصفها الشخصية‬
      ‫المزمار والتي لا تعكس‬                                        ‫الرئيسية‪ ،‬والراوي الذي‬
 ‫وض ًعا حقيقيًّا‪ ،‬بل تشير إلى‬                                    ‫يكشف مع الصورة بواطن‬
                                                                   ‫الأحداث‪ ،‬وإنما يستخدم‬
                                                               ‫صوت «دقات الساعة» ليربط‬
                                                                  ‫تلك البداية بلحظة الخداع‬
                                                                 ‫التي تعرضت لها «هنادي»‬
                                                                  ‫باسم الحب‪ ،‬وأي ًضا لحظة‬
                                                                     ‫انتظار «آمنة» لمهندس‬
                                                                 ‫الري التي تبدأ معها طريق‬
                                                                ‫الانتقام لأختها‪ ،‬والقصاص‬
                                                                ‫العادل منه‪ .‬وإن كان هنري‬
                                                                ‫بركات قد سبق هذه البداية‬
                                                                   ‫ببداية أخرى اقترن فيها‬
                                                                ‫صوت الكروان مع الموسيقا‬
                                                                   ‫التصويرية التي تأتي في‬
                                                                   ‫شدتها معبرة عن فداحة‬
   209   210   211   212   213   214   215   216   217   218   219