Page 222 - m
P. 222

‫العـدد ‪59‬‬                              ‫‪220‬‬

                                ‫نوفمبر ‪٢٠٢3‬‬                        ‫أنه لا يستمد حياته من أمة‬
                                                                  ‫حية‪ ،‬تنميه وتقويه وتضيف‬
    ‫يونانية ورومانية مثل ما‬          ‫وفلسفتها‪ ،‬ويحييون هذا‬        ‫إليه‪ ،‬وإنما يستمد حياته من‬
  ‫سجله هيرودوت ومانيتون‬         ‫الأدب والفن علي نحو لم تصل‬         ‫هذه الشخصية القوية التي‬

       ‫وبلوتارك وسترابون‪،‬‬          ‫إليه الأمة اليونانية الحديثة‬      ‫وهبها له اليونان القدماء‪.‬‬
 ‫والحضارة العربية قامت على‬       ‫بعد‪ .‬ومثل هذا يمكن أن يقال‬        ‫فحين نقرأ آثار هوميروس‬
‫إحياء تراث اليونان والرومان‬      ‫بالقياس إلى الأدب اللاتيني»‪.‬‬
                                  ‫لقد تشرب طه حسين بفعل‬              ‫أو بندار لا نفكر في الأمة‬
      ‫وفلسفتهما‪ ،‬فحضارتنا‬                                        ‫المعاصرة ولا نصل هذه الآثار‬
    ‫متجذرة في أرض اليونان‬           ‫اتصاله بأوروبا ودراسته‬
  ‫وروما‪ ،‬ناهيك عن أن مصر‬          ‫في واحدة من ألمع جامعاتها‬          ‫القديمة الخالدة بما تنتجه‬
  ‫كانت في الأساس مستعمرة‬                                            ‫من شعر ونثر‪ ،‬وإنما نقرأ‬
   ‫يونانية ثم رومانية لقرون‬           ‫في عصره‪ ،‬حب الثقافة‬         ‫هذه الآثار وغيرها ونفكر في‬
                                   ‫اليونانية واللاتينية‪ ،‬وأراد‬     ‫الأمة اليونانية القديمة التي‬
      ‫عدة‪ ،‬وما زالت الأرض‬          ‫أن يتاح تعلمهما للطلبة في‬     ‫أنتجتها‪ ،‬ونوشك أن نعتقد أن‬
     ‫المصرية ُتخرج لنا كنو ًزا‬    ‫مصر‪ ،‬لأنهما أساس للثقافة‬         ‫الصلة بيننا وبين هذا الأدب‬
‫ومخطوطات تلك الحضارتين‪،‬‬                                           ‫القديم والأجيال التي أبدعته‬
 ‫وقد ساهمتا في تشكيل العقل‬             ‫الحديثة ولا يمكن فهم‬      ‫ليست أضعف من الصلة بين‬
 ‫المصري والعربي‪ ،‬وبمعرفتنا‬        ‫حاضرنا دون فهم ماضينا‪،‬‬         ‫الأمة اليونانية المعاصرة وبين‬
‫لتلك الثقافة إنما نعرف أنفسنا‬                                        ‫ذلك الأدب وتلك الأجيال‪،‬‬
  ‫قبل كل شيء‪ ،‬وهو ما فطن‬            ‫فالشاشة التي تقرأ عليها‬          ‫وربما كان من المحقق أن‬
     ‫له طه حسين فبدأ كتابة‬        ‫الآن هذه الكلمات لم تخترع‬       ‫بعض البيئات الأدبية والفنية‬
  ‫سلسلة قادة الفكر الصادرة‬                                         ‫في غرب أوروبا وفي فرنسا‬
  ‫عام ‪ ،١٩٢٥‬وذكر فيها قادة‬           ‫من الهواء‪ ،‬والتكنولوجيا‬        ‫خاصة أشد اتصا ًل بالأمة‬
     ‫الفكر كما يراهم فإذا هم‬     ‫والنظم السياسية والحركات‬            ‫اليونانية القديمة وتراثها‬
    ‫خمس يونانيين وروماني‬                                             ‫الأدبي والفني والفلسفي‬
      ‫واحد‪ ،‬يستهلهم بشاعر‬            ‫الاجتماعية لم تظهر بين‬       ‫من الأمة اليونانية المعاصرة‬
  ‫الخلود هوميروس‪ ،‬صاحب‬                ‫يوم وليلة‪ ،‬بل ولدت في‬       ‫نفسها‪ .‬فلست أعرف مث ًل أن‬
 ‫ملحمتي الإلياذة والأوديسة‪،‬‬         ‫مخاض طويل استمر منذ‬
 ‫ويطلب من قارئه أن “يفكر»‪،‬‬           ‫فجر الإنسانية‪ ،‬والتراث‬                    ‫الأمة اليونانية‬
                                   ‫اليوناني واللاتيني مصدر‬                  ‫الحديثة قد أهدت‬
                                ‫رئيسي لتاريخ مصر القديمة‪،‬‬                   ‫إلي العالم الحديث‬
                                   ‫فقد دونت التواريخ الهامة‬                 ‫كراسين أو كاتبًا‬
                                ‫لحضارة مصر القديمة بأقلام‬
                                                                                ‫كجيرودو أو‬
                                                                           ‫شاع ًرا كاتبًا كبول‬

                                                                                ‫فاليري‪ .‬وكل‬
                                                                              ‫هؤلاء وغيرهم‬
                                                                              ‫من أدباء القرن‬
                                                                            ‫الحديث يعيشون‬
                                                                           ‫مع الأمة اليونانية‬
                                                                            ‫القديمة ويذوقون‬

                                                                                 ‫أدبها وفنها‬
   217   218   219   220   221   222   223   224   225   226   227