Page 248 - m
P. 248

‫العـدد ‪59‬‬                         ‫‪246‬‬

                                 ‫نوفمبر ‪٢٠٢3‬‬

  ‫حقي أن أنعم بأمني وحريتي‬            ‫لكي ينعم بقدر من الأمان‪،‬‬      ‫غير صحيح‪ ،‬فلماذا لا يثور‬
 ‫م ًعا دون أن أضطر أن أفاضل‬           ‫وما قانون الباتريوت آكت‬                      ‫المصريون؟‬
                                   ‫الذي أصدره الكونجرس عام‬
                      ‫بينهما‪.‬‬       ‫‪ ٢٠٠١‬إلا خير نموذج لحالة‬          ‫لا‪ ،‬هذا ليس سؤا ًل عبثيًّا‪ .‬هذا‬
    ‫أما لماذا لا يثور المصريون‪،‬‬      ‫الهلع التي قد تدفع البعض‬          ‫سؤال وجيه كثي ًرا ما ُيطرح‪.‬‬
                                     ‫للتضحية بحرياتهم لينعموا‬
      ‫فأنا كقارئ لتاريخ مصر‬           ‫ببعض الأمان‪ .‬هذا القانون‬              ‫هناك بالطبع قطاع من‬
    ‫الحديث يمكن أن أؤكد أنهم‬        ‫سمح لأجهزة الأمن المختلفة‬       ‫المصريين‪ ،‬شأنهم في ذلك شأن‬
    ‫يثورون طول الوقت‪ .‬هناك‬         ‫بتوسيع مراقباتها للمحادثات‬
     ‫ثورات نتعلمها في المدارس‬      ‫التليفونية وغيرها من وسائل‬           ‫كل شعوب الأرض‪ ،‬تخشى‬
  ‫وتدور أغلبها حول محاولات‬       ‫الاتصال‪ ،‬ووصل الأمر للسماح‬             ‫الفوضى وتخاف من غياب‬
   ‫التخلص من المحتل الأجنبي‪.‬‬       ‫لتلك الأجهزة بمراقبة عناوين‬        ‫النظام‪ ،‬وهي في ذلك مستعدة‬
                                 ‫الكتب التي يستعيرها المواطنون‬         ‫للتضحية بشيء من حريتها‬
      ‫على أن أنظمتنا السياسية‬     ‫من المكتبات العامة حتى تتأكد‬           ‫في نظير الحصول على قدر‬
      ‫تحاول التعتيم على تاريخ‬      ‫السلطات من أن هذه الكتب لا‬         ‫من الاستقرار‪ .‬أنا شخصيًّا لا‬
  ‫ثوراتنا ضد حكامنا المحليين‪،‬‬    ‫تحتوي على معلومات عن كيفية‬            ‫أوافق على هذا المنطق وأتذكر‬
   ‫وهذه ثورات عديدة‪ ،‬والكثير‬                                         ‫دو ًما مقولة بنجامين فرانكلين‪،‬‬
 ‫منها مليء ببطولات وتضحيات‬                ‫تصنيع قنابل منزلية!‬         ‫أحد الآباء المؤسسين للولايات‬
‫ملهمة ومبهرة‪ .‬ويمكن لمن يريد‬       ‫هذا القانون صدر في غفلة من‬        ‫المتحدة الأمريكية‪ ،‬والتي تقول‪:‬‬
    ‫الاطلاع على هذا المقال الذي‬  ‫المجتمع‪ ،‬لكن سرعان ما انتبهت‬          ‫« َمن يض ُّحون ببعض الحرية‬
   ‫نشرته (بالإنجليزية) في عام‬      ‫لخطورته الكثير من جمعيات‬              ‫في نظير بعض الاستقرار‪،‬‬
 ‫‪ ٢٠١٥‬والذي أسرد فيه لملحمة‬
    ‫الثورات المصرية منذ أوائل‬          ‫الحقوق المدنية الأمريكية‬             ‫لا يستحقون الحرية أو‬
                                    ‫وأقامت دعاوى عديدة بعدم‬         ‫الاستقرار»‪ .‬لكن مع اختلافي مع‬
           ‫القرن التاسع عشر‪.‬‬                                         ‫هذا المنطق أتفهمه وأتفهم رغبة‬
                                       ‫دستوريته‪ ،‬وانتهى الأمر‬
    ‫كل القادة الذين رأيتهم‬                  ‫بإلغائه عام ‪.٢٠٢٠‬‬               ‫بعض الناس في اتباعه‪.‬‬
    ‫في نصف القرن الأخير‬                                              ‫هذا المنطق يزداد اقتناع الناس‬
      ‫يرددون أن المصريين‬         ‫أقول هذا للتأكيد على أن تفضيل‬
   ‫ليسوا جاهزين لممارسة‬           ‫بعض فئات المجتمع للاستقرار‬            ‫به في أوقات الشدة‪ ،‬يتعمق‬
 ‫الديمقراطية‪ ،‬وقال الرئيس‬        ‫على حساب الحرية ليست سمة‬                  ‫أكثر عندما يعمل الحكام‬
‫الحالي في محفل أوروبي إن‬         ‫ننفرد بها دون شعوب الأرض‪.‬‬                ‫الدكتاتوريون على تهويل‬
‫شعوبنا غير شعوبهم‪ ،‬وقال‬           ‫وكل الأنظمة السياسية تحاول‬
‫في مناسبة أخرى محلية إننا‬          ‫بأشكال مختلفة أن تجد مكا ًنا‬       ‫المخاطر المحدقة بهم‪ ،‬والادعاء‬
 ‫نحتاج نصف قرن لننهض‬                                                   ‫بأنهم محاصرون بأعداء من‬
  ‫مثلما احتاجت أوروبا إلى‬             ‫ما في المسافة الفاصلة بين‬       ‫كل حدب وصوب‪ ،‬وأنهم‪ ،‬أي‬
‫هذا الوقت‪ ..‬ما تحليلك لهذه‬       ‫الدكتاتورية والفوضى‪ .‬المشكلة‬          ‫الحكام‪ ،‬هم الوحيدون الذين‬
‫الآراء الخاصة بالديمقراطية‬                                            ‫يستطيعون حمايتهم من هذه‬
                                     ‫أن نظامنا السياسي ما زال‬
                 ‫والتطور؟‬          ‫قاص ًرا ولم يتطور بعد بشكل‬                            ‫المخاطر‪.‬‬
                                 ‫يمنع طغيان أحد هذين الهدفين‬             ‫أنا كنت مقي ًما في الولايات‬
   ‫لا توجد شعوب غير جاهزة‬         ‫النبيلين على الآخر بشكل يلغيه‬        ‫المتحدة عندما وقعت هجمات‬
                                    ‫تما ًما‪ .‬فنحن كشعب لا يجب‬          ‫‪ ١١‬سبتمبر الإرهابية‪ ،‬ورأيت‬
                                  ‫أن ُنخيَّر بينهما‪ :‬إما الاستقرار‬
                                    ‫أو الحرية‪ .‬فأنا كمواطن من‬              ‫بعيني كيف قبِل المجتمع‬
                                                                    ‫الأمريكي في أعتى الديمقراطيات‬

                                                                         ‫بأن يضحي بأغلى حرياته‬
   243   244   245   246   247   248   249   250   251   252   253