Page 124 - merit 47
P. 124
العـدد 47 122
نوفمبر ٢٠٢2
تقريبًا فيما يخص حياتيهما ،هذا بجانب تعزيز عبر مذكراتها فصو ًل من حياتها المضطربة ،سواء
فكرة التطابق من خلال تشابه الاسم والملامح ما تعلق منها بمدينتها وعملها مدرسة وعلاقتها
وحتى الرائحة المميزة أحيا ًنا ،حيث نشأت كاميليا بأمها ،أو ما تعلق منها بارتباطها بمدينة القاهرة
الصغيرة امتدا ًدا للعائلة ،وتلقت المعاملة نفسها وما فتحته لها من آفاق للعيش لم تكن تمدها بها
من أبيها الذي ورثها عن أبيه ،وتمتد دائرة العنف المدينة الصغيرة التي نشأت فيها ،وهذه المذكرات
لتشمل أبسط الأفعال؛ مثل أنها «كلما سمعت ت َّطلع عليها ابنة أخيها التي ورثت منها ملامحها
أغنية ضربها أبوها ،كلما صاحت بها أمها شعرت واسمها وكذلك شخصيتها المتمردة والمحبة للفن،
بالاختناق من البيت والشارع ووجوه الناس» ،في وفيها حكت العمة كل ما لاقته من ترهيب وعدم
تكرار مشابه لما تلقته عمتها من تربية في أسرة لا فهم وصرامة جعلتها تكره نفسها بوصفها أنثى
تحترم عقول بناتها ولا تحترم خصوصيتهن ،إلى وفتاة مرحة مقبلة على الحياة.
أن وصلت إلى حد الاعتياد على هذا« ،كان وجهها
مح َّصنًا من الضربات بحكم التعود ،جلدها أقلم وتصف كاميليا في أوراقها لحظة اكتشاف عائلتها
نفسه على الصلابة ،»..وهذا ما يعقد دوائر العنف علاقتها بالرسام القاهري« ،اكتشفت اليوم أنني لم
أعد مثل مالك الحزين الذي يسعى الصيادون خلف
ويجعلها أعمق تأثي ًرا وسطوة.
وترتبط دوائر العنف هذه بشكل مباشر بعلاقة ريشه الجميل ،أنا اليوم أقرب لأبي قردان النائم
على غصون الأشجار متكو ًرا دون أن يأبه به أحد،
كاميليا -سواء الكبيرة -أو الصغيرة بأبيها،
فهو الأب الذي ُتظهر كرهها ورفضها لأفعاله ربما كان عليَّ التوقف أخي ًرا عن التشبث بغصن
وصرامته وحدته ،وفي الوقت نفسه تشعر بمدى الشجرة» ،وهنا هي أدركت كم انكسرت روحها
حبه لها ،وتكتشف حبها له بعد أن يموت فجأة وانطفأ حماسها تجاه الحياة ،لتصبح مثل أبي
وبلا أي ضجيج ،وترى صفعاته لها دلي ًل على قردان الطائر المسكين المتمسك بغصن الشجرة،
الحب والحماية ،فـ»هذه الصفعات في حقيقتها فعل
حب ،وإن كل هذه القطيعة كانت بسبب إشفاقه عكس مالك الحزين الذي يسعى الجميع وراء
عليَّ» ،وبالنظر إلى كاميليا الصغيرة فهي لم ترث جماله ،كما كان يسعى كل الرجال وراء جمالها
حياة تختلف كثي ًرا عن حياة عمتها ،بل تعرضت وشخصيتها وتأثيرها ،وتبقى أوراق كاميليا بوابة
لما تعرضت له العمة ،وتصف هي الأخرى ملامح القارئ لفهم مأساتها وانشطارها وتشظيها نتيجة
منها بأنها «أدركت وقتها أن الخوف مؤلم أكثر مقاومتها لأسباب تقييدها ،شأنها شأن الكثير من
من أي شيء ،أكثر من صفعات أبيها وصياح الفتيات اللاتي ينشأن في ظل سطوة العائلة ،وبوابة
معلميها ،شعرت بأنها تتقزم، ابنة الأخ كذلك لفهم شخصيتها ومأساتها التي
العالم واسع من حولها ،واسع
لدرجة أنها لا ترى شيئًا ،ولا لا تختلف كثي ًرا عن مأساة
حتى نفسها» ،فالقصة تتكرر، عمتها وأسرتها بشكل عام.
وتتكرر معها المأساة لكن بطريقة
ليست متطابقة ،فكاميليا الصغيرة ()3
على الرغم من تشابه حياتها مع
عمتها ،قد رغبت في النهاية أن أدركت ناجي في روايتها أن
تكملها على طريقتها وتتخلص من هناك -في الغالب -تكرا ًرا
لدوائر العنف إذا ظلت
مخاوفها. الظروف واحدة ،وتوقفت
ونتيجة ما تعرضت له كاميليا مقاومته ،فاختارت كاميليا
الصغيرة من صور دائرة العنف الصغيرة لتقرأ مذكرات
عمتها وترى فيها انعكا ًسا
يصل إلى حد التطابق