Page 150 - merit 47
P. 150

‫العـدد ‪47‬‬                           ‫‪148‬‬

                                     ‫نوفمبر ‪٢٠٢2‬‬

‫تفعل الصهيونية والهيمنة الغربية‬       ‫والطبيعة وتوزع الموارد‪ ،‬في حين‬      ‫حساب جماعات أخرى‪ ،‬وعادة ما‬
      ‫في الحيز الجغرافي العربي‪.‬‬      ‫كانت حركة التاريخ وتدافعها هي‬        ‫يقوم بتفجير التناقضات الهوياتية‬
                                     ‫حركة لـ»مستودع الهوية» (الأب)‬         ‫الجماعة التي تتوسع مثلما تفعل‬
    ‫فالجماعات البشرية أو الدول‬
 ‫التي في حالة تراجع تشهد جد ًل‬            ‫الخاص بالجماعات البشرية‬              ‫الصهيونية والهيمنة الغربية‬
‫واس ًعا وتفكي ًكا عني ًفا لـ»مستودع‬  ‫وتبدله سواء لأسباب ذاتية تدفعه‬                    ‫والمسألة الأوروبية‪.‬‬
                                     ‫للتراجع أو لأسباب خارجية تقوم‬
     ‫الهوية» الخاص بها‪ ،‬لصالح‬                                             ‫وهذه الفرضية تنطلق من تصور‬
      ‫«مستودع هوية» الجماعات‬               ‫بعملية القهر والهيمنة عليه‪.‬‬      ‫معين للتاريخ باعتبار أن حركته‬
   ‫أو الدول التي في حالة صعود‬              ‫ذلك لأن «مستودع الهوية»‬          ‫هي نتاج للتدافع أو التفاعل بين‬
 ‫وتمدد‪ ،‬ولكي تتم حركة التاريخ‬             ‫المشترك يقوم في بداياته على‬           ‫عوامل الجغرافيا ومستودع‬
       ‫لا بد من تشويه أو تفكيك‬            ‫العرق والقبلية واللغة‪ ،‬ونمط‬           ‫الهوية‪ ،‬فعبر التاريخ سنجد‬
      ‫«مستودع هوية» الجماعات‬               ‫الحياة الذي تفرضه طبيعة‬           ‫أنه حيث كانت تتواجد الطبيعة‬
   ‫المتراجعة أو تفجير التناقضات‬        ‫الجغرافيا على الجماعة البشرية‬       ‫والموارد المناسبة يستقر الإنسان‬
 ‫فيه‪ ،‬لكي يتم تقديم الآخر الوافد‬            ‫بما يتراكم معه من عادات‬         ‫ويتكاثر ويبدأ في تكوين جماعة‬
  ‫في صورة «الأعلى» و»الأفضل»‬               ‫وتقاليد‪ ،‬في الفرح وطقوس‬         ‫بشرية‪ ،‬ثم تكتسب هذه الجماعة‬
 ‫و»الأحسن» و»الأقوى» وبالطبع‬          ‫الحياة والاحتفال وخبرات الحياة‬      ‫شيئًا فشيئًا تقاليد وعادات مميزة‬
  ‫يكون ذلك مصحو ًبا بالاستلاب‬            ‫التي تخرج في أمثال وقصص‬               ‫ومتوارثة لتصبح «مستود ًعا‬
‫لصالح «مستودع الهوية» الخاص‬               ‫شعبية بطولية وأغنيات تعبر‬        ‫للهوية» يمنح الجماعات البشرية‬
    ‫به‪ ،‬وفي حقيقة الأمر ما صار‬            ‫عنها‪ ،‬ومع الأديان السماوية‬        ‫مذاقها الخاص وتنوعها‪ ،‬ليظهر‬
  ‫يعرف في الثقافة الحديثة باسم‬        ‫اكتسب «مستودع الهوية» مكو ًنا‬         ‫لنا عامل الجغرافيا والتضاريس‬
     ‫«الجغرافيا السياسية»؛ ليس‬             ‫قو ًّيا إلى جوار العرق واللغة‬        ‫والطبيعة المناسبة باعتبارها‬
    ‫سوى التمثل الطبيعي لحركة‬            ‫ونمط الحياة والتقاليد المرتبطة‬         ‫أم التاريخ التي كانت تجذب‬
      ‫التاريخ عند اضمحلال أمم‬           ‫بها‪ ،‬وهو المكون الديني‪ ،‬وطالما‬        ‫الجماعات البشرية لتعيش في‬
    ‫وتراجعها وصعود أمم أخرى‬            ‫كان «مستودع الهوية» موض ًعا‬
‫وتمددها‪ ،‬و»الجغرافيا السياسية»‬          ‫لحركة التاريخ وتبدلها‪ ،‬سنجد‬       ‫المناطق المناسبة‪ ،‬وفي الوقت نفسه‬
                                        ‫أن كل «مستودعات الهوية» في‬         ‫تعتبر الهوية ومستودعاتها التي‬
        ‫دائ ًما ما تكون مصحوبة‬         ‫العالم مع مرور الوقت أصبحت‬            ‫ستصاحب الجماعات البشرية‬
      ‫بـ»جغرافيا ثقافية»‪ ،‬فتمدد‬       ‫تحمل داخلها التناقضات الكامنة‪،‬‬           ‫هي أب التاريخ‪ ،‬لأنه إذا كان‬
    ‫جماعة بشرية ما في جغرافيا‬        ‫وأصبح وجودها عبارة عن اختيار‬           ‫التاريخ في أصله ونشأته نتا ًجا‬
  ‫جماعة أخرى‪ ،‬لا بد أن تصحبه‬            ‫من متعدد‪ ،‬بعض «مستودعات‬              ‫للجغرافيا والطقوس والعوامل‬
    ‫«الجغرافيا الثقافية» للسيطرة‬       ‫الهوية» البشرية تختار أن ُتعلي‬         ‫المناسبة‪ ،‬فإن استمرار حركة‬
   ‫على «مستودع الهوية» الخاص‬            ‫من العرق‪ ،‬وبعضها الآخر من‬
     ‫بالجماعة البشرية المتراجعة‬        ‫اللغة‪ ،‬وبعضها الآخر من الدين‪،‬‬      ‫التاريخ وتدافع الجماعات البشرية‬
       ‫والقيام بتفكيكه لصالحها‪.‬‬          ‫وبعضها الآخر يطور «حزمة‬              ‫وتنافسها؛ يكون نتا ًجا لتدافع‬
 ‫‪ -2‬الفرضية المضادة وتسكين‬                 ‫مختارة» بمحض إرادته من‬             ‫«مستودعات الهوية» عبر فك‬
 ‫التناقضات في مستودع الهوية‬            ‫«مستودع الهوية» الواسع‪ ،‬وفي‬
                                        ‫فترات معينة تصبح الجغرافيا‬        ‫وإعادة تركيب مكوناتها من جديد‬
                       ‫العربي‪:‬‬         ‫ذاتها مح ًّل للصراع على الهوية‪،‬‬      ‫لصالح الجماعات البشرية التي‬
  ‫وفقا للفرضية النظرية السابقة‬       ‫وذلك في فترات التبدل الحضاري‬          ‫تتمدد ومستودعها‪ ،‬وعلى حساب‬
 ‫التي تعتبر حركة التاريخ تداف ًعا‬     ‫وصعود واضمحلال الأمم‪ ،‬مثلما‬           ‫مستودع الجماعة البشرية التي‬
    ‫مستم ًّرا في «مستودع الهوية»‬
 ‫تمد ًدا وتراج ًعا‪ ،‬وتفترض حتمية‬                                          ‫تتعرض للتراجع والتقهقر‪ ،‬أي أن‬
                                                                          ‫نشأة التاريخ واستقرار الجماعات‬

                                                                               ‫كانت نتا ًجا للجغرافيا (الأم)‬
   145   146   147   148   149   150   151   152   153   154   155