Page 145 - merit 47
P. 145

‫‪143‬‬  ‫تجديد الخطاب‬

   ‫للخرافات والتخلف‪ .‬وكان هذا‬            ‫تجاوزتها‪ ،‬وفي الوقت نفسه‬        ‫العربية والخروج عليها! وهو ما‬
 ‫هو رأى تيودور هرتزل مؤسس‬            ‫يصب غضبه على الدول العربية‪،‬‬         ‫نجد صداه في مقال نشره مراد‬
 ‫الصهيونية الحديثة‪ .‬وقال حاييم‬                                           ‫وهبة في عهد بايدن بتاريخ ‪/3‬‬
‫ويزمان أول رئيس منتخب لدولة‬            ‫لأنه لا يوجد بها تمثل للثنائية‬
                                       ‫ولكن بها ‪-‬كما يرى‪ -‬حضور‬              ‫‪2021 /8‬م بجريدة الأهرام‬
     ‫إسرائيل‪ :‬إن الدولة اليهودية‬     ‫للأصولية الدينية‪ ،‬مغم ًضا عينيه‬      ‫بعنوان‪« :‬أفكار لها تاريخ (‪:)9‬‬
    ‫لن تتكون إلا من الأجزاء التى‬    ‫عن أن الذات العربية الجمعية غير‬      ‫ماذا بين تل أبيب وأورشليم؟»‪،‬‬
     ‫تلتزم بالحداثة‪ ،‬أما ما يتبقى‬   ‫النخبوية أو غير الفوقية‪ ،‬تجاوزت‬      ‫يتمثل فيه خطابه عن الاستلاب‬
  ‫بعد ذلك فلن أقبله حتى لو جاء‬           ‫هذا الصراع المتخيل‪ ،‬وقدمت‬
   ‫على هيئة هدية»(‪ ،)10‬وفي الفقرة‬        ‫مجموعة من الثورات القيمية‬         ‫الهوياتي للصهيونية وصفقة‬
 ‫السابقة تتضح جملة من تمثلات‬         ‫التي تجاوزت بشعاراتها ثنائيات‬       ‫القرن المعدلة مع الديمقراطيين‪،‬‬
   ‫سيندروم «المسألة الأوروبية»‬      ‫«المسألة الأوروبية» كلها‪ ،‬وطالبت‬   ‫حيث في هذا المقال تتبدى بوضوح‬
                                       ‫بعالم جديد في العقد الثاني من‬      ‫سيطرة «متلازمة الثنائية» على‬
      ‫عند مراد وهبة؛ إنه يتجاهل‬                                           ‫مراد هبة‪ ،‬وكذلك يتبدى أثرها‬
  ‫الذات العربية ويرى في مشروع‬              ‫القرن الحادي والعشرين‪.‬‬      ‫النفسي عليه الذي يجعله يميل إلى‬
‫اغتصاب الأرض والقتل والإرهاب‬           ‫وفي سياق المزيد من الثنائيات‬     ‫العدو الصهيوني لا لشيء سوى‬
  ‫والاحتلال‪ ..‬يرى فيه فقط إنقا ًذا‬
                                         ‫والصراع الحدي المتجذر في‬          ‫أنه يجد عنده التمثل للصراع‬
            ‫للحضارة الأوروبية!‬      ‫«المسألة الأوروبية» التي تأثر بها‬   ‫بين العلمانية والأصولية الدينية‪،‬‬
    ‫أما ذروة التفكير الأسطوري‬
 ‫غير المنطقي عند مراد وهبة فهو‬         ‫مراد وهبة كثي ًرا‪ ،‬نجده يطرح‬        ‫رغم أن الذات الأوربية نفسها‬
  ‫تجاهل كل الوقائع التي ارتبطت‬           ‫ثنائية الاستقطاب والصراع‬      ‫تجاوزته‪ ،‬لكن مراد وهبة ‪-‬أسي ًرا‬
     ‫بالعدوان الصهيوني المستمر‬
                                      ‫الحدي بين تل أبيب وأورشليم‪،‬‬          ‫لهاجس فرق الدين السياسي‬
      ‫وتوسعه على حساب الدول‬           ‫حيث سنجد أنه ينتصر للعدوان‬       ‫العربية‪ -‬ينتصر للعدو الصهيوني‬
  ‫العربية وفلسطين‪ ،‬والنظر وفق‬       ‫والقتل والعنصرية والسلب الذين‬       ‫العنصري‪ ،‬لمجرد وجود «الثنائية‬
  ‫معيار واحد منفصل عن الواقع‬          ‫قام بهم الصهاينة الأوائل بحق‬
 ‫وهو‪« :‬التعايش المشترك»! وكيف‬       ‫الفلسطينيين‪ ،‬لمجرد أن مراد وهبة‬           ‫الحدية» هناك‪ ،‬كأبرز آثار‬
                                                                         ‫«المسألة الأوروبية» تش ُّو ًها على‬
    ‫يحدث التعايش عندما يستمر‬             ‫وجد أثر «المتلازمة النفسية»‬
   ‫المعتدي في العدوان والاحتلال‬     ‫(السيندروم) لثنائية حدية جديدة‬                      ‫المثقف العربي‪.‬‬
                                                                              ‫فيقول مراد وهبة في المقال‬
      ‫والتوسع والقتل والإرهاب‪،‬‬           ‫بين الأصولية والعلمانية في‬          ‫المشار إليه‪« :‬ليس فى إمكان‬
‫وكيف يمكن أن ننظر في التعايش‬            ‫«إسرائيل»‪ ،‬أي الصراع هناك‬         ‫أحد أن يتجاهل الصراع الحاد‬
                                     ‫حول عاصمة دولة الاحتلال بين‬             ‫بين الأصولية والعلمانية فى‬
  ‫بعد حرب عدوانية طالت معظم‬              ‫العلمانيين الذي اختاروا «تل‬       ‫هذا الزمان‪ ،‬إذ إن الأولى تفكر‬
   ‫دول المحيط العربي لفلسطين‪،‬‬          ‫أبيب»‪ ،‬وبين الأصوليين الذين‬        ‫بالمطلق والثانية تفكر بالنسبي‪،‬‬
    ‫وأنتجت المزيد من التغول على‬       ‫اختاروا أورشليم‪ /‬القدس‪ ،‬وفي‬         ‫وإسرائيل نموذج لهذا الصراع‬
   ‫حقوق الفلسطينيين وأرضهم؟‬            ‫ذلك يقول مراد وهبة في المقال‪:‬‬     ‫باعتبار أن الدول العربية ليست‬
  ‫هنا يصبح مراد وهبة أسطور ًّيا‬         ‫«وقد شاركه فى هذه المشاعر‬          ‫كذلك لأن بها أصوليات حادة‬
                                                                         ‫إلى الحد الذي فيه تغتال بفتاوى‬
      ‫بالفعل وينفصل عن الواقع‬             ‫الصهيونيون الأوائل الذين‬         ‫دينية كل َم ْن يتجاسر ويدعو‬
   ‫حين يقول في المقال‪« :‬والجدير‬         ‫كان كل همهم إنقاذ الحضارة‬       ‫إلى العلمانية»(‪ ،)9‬فمراد وهبة هنا‬
  ‫بالتنويه هنا أنه منذ عام ‪1967‬‬       ‫الأوروبية من الدمار‪ .‬وكانوا فى‬       ‫ينتصر لـ»إسرائيل» لمجرد أن‬
   ‫والفجوة آخذة فى الاتساع بين‬          ‫ذلك علمانيين لا ينشغلون إلا‬        ‫بها التحقق للثنائية الأوروبية‬
  ‫الفلسطينيين والإسرائيليين إلى‬        ‫برؤى مستقبلية‪ .‬أما أورشليم‪،‬‬            ‫التاريخية‪ ،‬رغم أن أوروبا‬
   ‫حد رفض أى تنازلات من أجل‬
                                            ‫فى رأيهم‪ ،‬فكانت تجسي ًدا‬
   140   141   142   143   144   145   146   147   148   149   150