Page 149 - merit 47
P. 149

‫‪147‬‬  ‫تجديد الخطاب‬

    ‫كحل لما نحن فيه من مشاكل‪،‬‬           ‫لـ»المسألة الأوروبية» نظر لها‬     ‫لإسرائيل وتكرار إنجاز الراحل‬
     ‫هو يريد منا أن نقبل بالحلم‬           ‫الماركسيون الروس بوصفها‬                        ‫السادات‪.)19(»..‬‬
‫والمؤامرات الصهيونية علينا‪ ،‬وأن‬         ‫تمث ًل لـ»الاحتلال التقدمي» في‬
   ‫تكون الجائزة التي نمنحها لهم‬        ‫الشرق الأوسط واعتبرها لينين‬         ‫وبالعودة إلى حديث مصطفى‬
  ‫ر ًّدا على تلك المؤامرة هي القبول‬    ‫طليعة تقدمية في المحيط العربي‬        ‫الفقي وما يردده من ادعاءات‬
   ‫بها‪ ،‬والموافقة على مد ماء النيل‬      ‫المتخلف‪ ،‬وفي الوقت نفسه نظر‬     ‫وحجج‪ ،‬سنجد أن حجة مصطفى‬
                                         ‫لها البريطانيون والفرنسيون‬
                           ‫لها!‬        ‫والأمريكان من بعدهم بوصفها‬              ‫الفقي الرئيسية في حديثه‬
                                         ‫تمث ًل لـ»الاحتلال التوسعي»‬    ‫التليفزيوني‪« :‬أن السياسة ليست‬
 ‫خامسا‪ :‬إدارة الصراع‬                       ‫الرأسمالي في منطقة الشرق‬
   ‫الهوياتي ومقاربة‬                     ‫الأوسط الغنية بالموارد‪ ،‬وكانت‬      ‫مثاليات»(‪ ،)20‬وذلك حتى يبرر‬
                                     ‫الثقافة العربية المستقلة عن الذات‬   ‫لنا الاستعانة بعدونا الصهيوني‬
‫تسكين تناقضات الهوية‬                     ‫الأوروبية مطم ًعا لـ»الاحتلال‬
        ‫العربية‬                           ‫التقدمي» الماركسي ومطم ًعا‬       ‫التاريخي الذي وضعنا في هذا‬
                                       ‫لـ»الاحتلال التوسعى» الليبرالي‬   ‫الموقف أص ًل! والرد على مصطفى‬
  ‫‪ -1‬فرضية تفجير التناقضات‬
    ‫الهوياتية في فترات الصراع‬                ‫على السواء‪ ،‬فكيف‪ ،‬وبأي‬      ‫الفقي وطالما أن السياسة ليست‬
                    ‫الحضاري‪:‬‬            ‫وجهة نظر ستكون «إسرائيل»‬        ‫مثالية‪ ،‬فعلى متخذ القرار إزاحتك‬
    ‫إذا كان دونالد ترامب قد اتبع‬         ‫والصهيونية طوق نجاة لنا؟!‬       ‫من منصبك كمسئول عن واحدة‬
                                      ‫من ثم سنجد أن مصطفى الفقي‬
  ‫كافة تكتيكات تفجير التناقضات‬                                                 ‫من أهم مؤسسات المعرفة‬
    ‫في «مستودع الهوية» العربي‪،‬‬              ‫يقدم رواية جديدة لخطاب‬          ‫والثقافة في مصر بأكملها في‬
    ‫وتقديم بديل ثقافي له تمثل في‬          ‫الاستلاب للآخر الصهيوني‬       ‫مكتبة الإسكندرية‪ ،‬فأنت لم ترثنا‬
   ‫الاتفاقيات الإبراهيمية وصفقة‬       ‫بحجة ما سيأتي علينا من منافع‬       ‫ولم تقدم لمصر في خطابك سوى‬
                                     ‫حين نقبل ذلك الاستلاب‪ ،‬ونتخلى‬          ‫التيه الثقافي‪ ،‬مرة مع القومية‬
‫القرن‪ ،‬فهنا يمكن القول إن التمدد‬       ‫عما يسميه «المثالية السياسية»!‬     ‫وتكتب فيها (مثل كتابه‪ :‬تجديد‬
‫الجغرافي السياسي للقوى الغربية‬         ‫إنه يدعو لأن نستعين بإسرائيل‬        ‫الفكر القومي) ولكن عند الجد‬
                                        ‫في المفاوضات مع أثيوبيا حيث‬      ‫تتنكر لها وتنتصر للعلمانية غير‬
  ‫والصهيونية في المحيط الجغرافي‬           ‫قال في اللقاء المصور‪« :‬وأكد‬       ‫القومية عموما! وتدعم إلحاق‬
‫العربي ارتبط بـ»ثقافة جفرافية»‪،‬‬         ‫[مصطفى الفقي] أن لإسرائيل‬        ‫الذات االعربية بالمشروع الغربي‬
                                        ‫تأثير بملف سد النهضة؛ لأنها‬        ‫إجما ًل والخضوع للصهيونية‬
     ‫أو يمكن القول إن الجغرافيا‬       ‫تحلم أن تكون إحدى دول مصب‬          ‫وروايتها خصو ًصا‪ ،‬كما فعل في‬
      ‫السياسية لا بد أن تصحب‬         ‫نهر النيل منذ عهد الرئيس الراحل‬      ‫مقاله دع ًما لمراد وهبة في سياق‬
   ‫بجغرافيا ثقافية‪ ،‬وأنه لا يمكن‬         ‫محمد أنور السادات‪ ،‬قائ ًل إن‬        ‫صفقة القرن وفي عز خطابه‬
   ‫لتمدد جغرافي سياسي كما هو‬              ‫الموقفين الأمريكي والروسي‬        ‫الداعم لها‪ ،‬خصو ًصا في مقالة‬
‫مطروح في صفقة القرن أن يتم إلا‬          ‫سيتغيران إذا اقتنعت إسرائيل‬      ‫بعنوان‪« :‬مراد وهبة وأم العلوم»‬
‫إذا صاحبته جغرافيا ثقافية تحتل‬       ‫بضرورة دعم مصر»(‪ ،)21‬وخطاب‬             ‫حيث وصف القومية في هذه‬
  ‫مكان الثقافة الأصلية في المنطقة‬     ‫مصطفى الفقي واوضح تما ًما في‬          ‫المقالة بالأصولية! منقلبًا على‬
  ‫العربية‪ ،‬وهنا يمكن للدراسة أن‬      ‫علاقته بخطاب الاستلاب وفكرته‬           ‫كتابه القديم عن تجديد الفكر‬
  ‫تضع فرضية حضارية واضحة‬                  ‫الرئيسية حول قبول الرواية‬
      ‫لتفسر ما يحدث في المنطقة‬        ‫الصهيونية والأهداف الصهيونية‬                             ‫القومي!‬
    ‫العربية‪ ،‬وهي فرضية «تفجير‬                                              ‫ويطرح السؤال‪ :‬هل إسرائيل‬
   ‫التناقضات الهوياتية في فترات‬                                             ‫هل طوق النجاة‪ ،‬أم قاع الفخ‬
    ‫الصراع الحضاري» وصعود‬                                                 ‫والمتاهة! من قال إن «إسرائيل»‬
    ‫جماعات بشرية وتمددها على‬
                                                                                 ‫هي طوق النجاة لمصر؟‬
                                                                            ‫إسرائيل تمثل الراسب الأبرز‬
   144   145   146   147   148   149   150   151   152   153   154