Page 153 - merit 47
P. 153

‫‪151‬‬  ‫تجديد الخطاب‬

‫أما العامل الآني لحالة التناقضات‬         ‫قوية وجذرية وعنيفة‪ ،‬تستعيد‬        ‫أن تستعيد مصر مهارات إدارة‬
   ‫التي تعيشها مصر حاليًا؛ فهو‬           ‫بها ذاتها والتأكيد على مكونات‬      ‫تلك التناقضات وضبط نقاطها‬
       ‫تفجر تناقضات المستودع‬              ‫«مستودع هويتها»‪ ..‬لكن هذا‬          ‫الساخنة‪ ،‬في كافة بقاع الوطن‬
   ‫المصري سياسيًّا وأيديولوجيًّا‬                                            ‫العربي‪ ،‬داخليًّا وعربيًّا وعالميًّا‪.‬‬
                                           ‫يتطلب أن تتجاوز مصر من‬
 ‫واجتماعيًّا عقب ثورة ‪ 25‬يناير‪،‬‬        ‫الأساس تناقضاتها الداخلية التي‬            ‫فعلى المستوى الداخلي أو‬
  ‫واستقرار «التراتب الاجتماعي»‬                                                    ‫البيني عربيًّا يفترض أن‬
  ‫للجماعة المصرية برمتها سلطة‬             ‫تعمل كمكبح يعوق استعادتها‬             ‫تدعو تلك الفرضية البديلة‬
                                            ‫لمكانتها التاريخية كحاضنة‬           ‫لتسكين التناقضات ‪-‬التي‬
    ‫ومعارضة على هذا التناقض‪،‬‬                                                  ‫يجب أن تتبناها دولة المركز‬
    ‫هذا التناقض كان فاتورته أن‬         ‫للذات العربية ومركز للدفاع عن‬         ‫القديم مصر‪ -‬إلى تهدئة كافة‬
     ‫السياسات الداخلية المصرية‬                     ‫«مستودع هويتها»‪.‬‬         ‫التناقضات الداخلية في البلدان‬
   ‫برمتها كانت رد فعل له‪ ،‬ورد‬                                                ‫العربية‪ ،‬والعمل لضبط معظم‬
 ‫فعل لمحاولة التشويه التي يقوم‬                 ‫وكذلك لكي تتبنى مصر‬          ‫السياسات الخارجية والداخلية‬
 ‫بها أحد أقطاب التناقض (فصيل‬                ‫الفرضية الحضارية البديلة‬       ‫وفق هذه الفرضية‪ ،‬في السودان‬
  ‫الإخوان وفرق الدين السياسي‬           ‫وتسكين التناقضات في مستودع‬               ‫الدعوة لتسكين تناقضات‬
‫المتعاطفة معها س ًّرا أو علنًا)‪ ،‬وفي‬      ‫الهوية العربي؛ يجب أن تقدم‬      ‫مستودع الهوية هناك بين المكون‬
‫الوقت نفسه احتراق ممثلي القطب‬             ‫هي النموذج في ذلك وتتجاوز‬            ‫الأفريقي (البان أفريقانيزم‬
‫الآخر (فصائل اليسار والليبرالية‬             ‫التناقضات التي تفجرت في‬             ‫وتحوله للأفروسنتريزم)‬
  ‫الذين شاركوا في دستور لجنة‬          ‫مستودع الهوية الداخلي في مصر‪،‬‬           ‫والمكون العربي‪ ،‬وفي المغرب‬
    ‫الخمسين ولم يقدموا ضمانة‬            ‫حيث كان السبب المركزي الذي‬         ‫العربي الدعوة لتسكين تناقض‬
   ‫للمستقبل)‪ ،‬وكانت النتيجة أن‬           ‫أوقع مصر في مرحلة التراجع‬             ‫مستودع الهوية بين المكون‬
‫سياسات مصر الداخلية أصبحت‬                 ‫الحضاري في اللحظة الراهنة‪،‬‬           ‫الأمازيغي والمكون العربي‪،‬‬
‫عقبة لحد ما أمام طرح سياسات‬                ‫يرجع لعاملين أحدهما عامل‬         ‫وكذلك في الصراع بين المغرب‬
     ‫خارجية تتجاوز الاستقطاب‬              ‫تاريخي مركزي والآخر عامل‬            ‫والجزائر ومنطقة الصحراء‪،‬‬
‫الداخلي‪ ،‬وظلت قاطرة السياسات‬               ‫حالي وآني‪ ،‬العامل التاريخي‬          ‫وفي العراق تهدئة التناقض‬
 ‫الداخلية تقود قاطرة السياسات‬           ‫الذي أدى بمصر لحالة الهزيمة‬        ‫السني‪ /‬الشيعي‪ /‬الكردي‪ ،‬وفي‬
‫الخارجية في ظل تفجر تناقضات‬            ‫الحضارية هو تخلي السادات عن‬          ‫اليمن تهدئة التناقض بين تيار‬
‫مستودع الهوية المصري‪ ،‬خاصة‬                ‫الدفاع عن «مستودع الهوية»‬         ‫الأقيال والحوثيين‪ ..‬إلخ‪ ،‬وعلى‬
‫مع صعود المتطرفين للمشهد من‬               ‫العربي في اتفاق سلام مشوه‬       ‫المستوى الأقليمي لا بد لمصر من‬
    ‫اليمين وفرق الدين السياسي‬          ‫وضعيف وغير متوازن حضار ًّيا‬          ‫أن ترفع مستوى مهارة «إدراة‬
    ‫ومن اليسار والليبراليين على‬       ‫(كامب دافيد)‪ ،‬حيث أدى انسحاب‬         ‫التناقضات» في مستودع الهوية‬
‫السواء‪ ،‬وغياب الكتلة الجامعة في‬            ‫مصر من التزامها التاريخي‬            ‫العربي‪ ،‬وتدافعه مع المكون‬
 ‫مصر الحارسة لمستودع الهوية‬            ‫بالدفاع عن مستودع هويتها إلى‬         ‫التركي والإيراني والصهيوني‬
                                           ‫تفكيك كافة المراكز التاريخية‬       ‫كذلك وتضبط أولوياتها‪ ،‬لأن‬
               ‫بطبقاته المتعددة‪.‬‬         ‫الناعمة لها‪ ،‬وتحولت إلى شكل‬           ‫خطورة الاستسلام لتفجير‬
                                         ‫تاريخي بل معنى في الحاضر‪،‬‬           ‫التناقضات العربية من جانب‬
       ‫الخاتمة‬                          ‫تحولت إلى مبنى قائم بلا معنى‬         ‫الآخرين؛ سيكون أن الشعوب‬
                                          ‫أو مضمون يدل عليه‪ ،‬تحولت‬        ‫العربية قد تتحين الفرصة لتقوم‬
    ‫طرحت هذه الدراسة تصو ًرا‬              ‫إلى مادة خام فقدت خواصها‬             ‫بعملية «تصحيح حضاري»‬
  ‫يقول بأن الديمقراطييين قدموا‬             ‫الطبيعية التي منحها لها الله‪،‬‬
                                       ‫فماتت مو ًتا سرير ًّيا وتعيش على‬
    ‫نسخة خاصة بهم من صفقة‬
                                                ‫«الإفاقة الاصطناعية»‪.‬‬
   148   149   150   151   152   153   154   155   156   157   158