Page 161 - merit 47
P. 161

‫‪159‬‬  ‫تجديد الخطاب‬

    ‫والمعلومات المتاحة للدراسة‪.‬‬     ‫بقدرته على “إنتاج” الملايين‬        ‫التقليدية للذكورة والأنوثة‬
  ‫وكذلك من المهم التوضيح أنه‬        ‫من الحيوانات المنوية‪ .‬مقابل‬      ‫إلى لغة تلك الكتب «العلمية»‪.‬‬
 ‫متي تم استنباط نسق خطابي‬           ‫رؤية متدنية لبيولوجيا المرأة‬      ‫فالحيوانات المنوية توصف‬
‫وإدراكه وتحليله وتدوينه‪ ،‬فإنه‬    ‫و”الإهدار” الشهري للبويضات‬          ‫بأنها‪« ،‬نشيطة» و»متحفزة»‪،‬‬
‫من الممكن أن نضيف على كل ما‬      ‫غير المخصبة‪ .‬رغم أن الحساب‬          ‫وأنها «تتنافس» و»تتسابق»‬
‫سبق من وسائل‪ ،‬وسيلة أخرى‬          ‫العلمي يثبت إن لكل طفل يولد‬      ‫في “رحلة شاقة” للوصول إلى‬
                                     ‫«تهدر» المرأة ‪ ٢٠٠‬بويضة‪،‬‬
    ‫وهي مبادئ تحليل المحتوى‬        ‫بينما لكل طفل «يهدر» الرجل‬             ‫البويضة «واختراقها»‪.‬‬
    ‫للنصوص المكتوبة (كالمعني‬                                        ‫في المقابل توصف البويضات‬
                                       ‫تريليون حيوان منوي(‪.)٤‬‬        ‫بأنها «ساكنة»‪« ،‬يتم دفعها»‬
       ‫المعجمي للألفاظ والمجاز‬      ‫وما هذه الدراسة إلا نموذج‬     ‫من المبيض و»يتم حملها» داخل‬
  ‫والدرس الأدبي إلخ)‪ ،‬فيجتمع‬       ‫بسيط على ما يستطيع تحليل‬        ‫قنوات فالوب إلى الرحم‪ ،‬حيث‬
  ‫سو ًّيا تحليل الخطاب وتحليل‬     ‫الخطاب أن يكشفه من رسائل‬         ‫«تنتظر» والاسم العلمي لجدار‬
                                                                    ‫البويضة هو «الثوب» والاسم‬
     ‫المحتوى‪ .‬وذلك ما أوضحه‬              ‫مخفية ونسق فكري في‬        ‫العلمي لجزيئات البروتين على‬
  ‫نصر حامد أبو زيد حين قال‬       ‫“النصوص”‪ ،‬وكيف يمكن لهذا‬
‫«كل خطاب نص وليس كل نص‬                                                        ‫سطحها هو «تاج»‪.‬‬
                                    ‫الخطاب المتأثر والمتفاعل مع‬          ‫المدهش أنه عندما أثبتت‬
                    ‫خطاب»(‪.)٥‬‬      ‫واقع ثقافي أن يؤثر في الوعي‬       ‫الدراسات أن تلك الأوصاف‬
                                                                      ‫خاطئة علميًّا‪ ،‬وأن البويضة‬
‫تأويل القرآن كخطاب‬                          ‫واللاوعي الجمعي‪..‬‬        ‫ليست ساكنة أو سلبية‪ ،‬وأن‬
                                      ‫وبشكل عام فسيكون على‬        ‫الحيوانات المنوية ليست بالقوة‬
     ‫يصف نصر حامد أبو زيد‬               ‫باحث تحليل الخطاب أن‬            ‫أو السرعة التي تصورها‬
  ‫القرآن بأنه ثمرة لعمليات من‬         ‫يجيب على أسئلة من نوع‪:‬‬          ‫العلماء من قبل‪ ،‬وأن عملية‬
                                   ‫من المتحدث؟ مع من يتحدث؟‬       ‫اختراق البويضة تتم عن طريق‬
     ‫الحوار والسجال والمناظرة‬          ‫ما هي وسيلة (أو وسائل‬          ‫تفاعل مشترك بين الحيوان‬
        ‫والرفض والقبول‪ ،‬وأن‬            ‫الخطاب)؟ ما هي مصادر‬        ‫المنوي والبويضة‪ ،‬تم استبدال‬
                                   ‫الخطاب؟ ما هو نوع الخطاب‬           ‫تلك الأوصاف عن البويضة‬
       ‫خصائصه الخطابية لهذا‬         ‫(ترهيبي‪ ،‬ترغيبي‪ ،‬تهديديي‪،‬‬          ‫بنموذج نمطي آخر للأنثي‬
‫السبب شديدة الوضوح والغني‬             ‫سجالي‪ ،‬تقريري‪ ،‬سردي‪..‬‬             ‫الشرسة القاتلة (‪femne‬‬
                                  ‫إلخ)؟ ما هي مناسبة الخطاب؟‬         ‫‪ )fatale‬فأصبحت البويضة‬
   ‫والتنوع‪ ،‬ليس فقط من حيث‬         ‫ما هي آليات إنتاج المعني؟ ما‬       ‫“تقتنص” و”تستولي على»‬
 ‫تعدد الأصوات ولكن كذلك من‬          ‫هو السياق الاجتماعي؟ وما‬          ‫الحيوان المنوي و»توقعه في‬
                                   ‫نوع علاقات القوة في المجتمع‬    ‫حبائلها» المكونة من «شبكة من‬
    ‫حيث أنواع الخطاب ما بين‬         ‫وبين المشاركين في الخطاب؟‬     ‫الزوائد اللزجة»‪ ،‬وأصبحت نواة‬
    ‫تشريعي‪ ،‬وتعبدي وسجالي‬            ‫وكيف أثرت فى ‪-‬وتأثرت‪-‬‬        ‫البويضة «تندفع نحو» الحيوان‬
                                  ‫بالخطاب؟ ويتم تحليل كل ‪-‬أو‬      ‫المنوي فـ”تقطع طريق رحلته”‬
      ‫وتهديدي وما غير ذلك(‪.)٦‬‬      ‫أهم‪ -‬تلك العناصر باستخدام‬
     ‫الدعوة إلى النظر في القرآن‬      ‫وسائل نظرية وتحليلية من‬                             ‫وهكذا‪..‬‬
                                 ‫العلوم الاجتماعية والإنسانيات‬        ‫تكشف نفس الدراسة أي ًضا‬
       ‫كخطاب ومحاولة تأويله‬          ‫والتاريخ واللسانيات وعلم‬       ‫في أمثلة أخرى انحياز واضح‬
‫باستخدام آليات تحليل الخطاب‬            ‫النفس وغيرها من العلوم‬         ‫لبيولوجيا الرجل‪ ،‬وإعجاب‬
‫تبدو لذلك دعوة منطقية‪ ،‬وربما‬
 ‫قال البعض إنها تأخرت كثي ًرا‪.‬‬          ‫بحسب موضوع البحث‬

    ‫وعلى المستوي النظري فمن‬
      ‫المؤكد إن استخدام تحليل‬
      ‫الخطاب في تفسير القرآن‬
         ‫سيثري آليات التأويل‬
      ‫بمنهجيات علوم الاجتماع‬
   156   157   158   159   160   161   162   163   164   165   166