Page 227 - merit 47
P. 227

‫‪225‬‬  ‫الملف الثقـافي‬

 ‫بالنَّص سواء منها ما يتص ُل‬              ‫والانزياح والسرد القصصي‬                  ‫هو التعويل على الرموز‬
‫بالمُخا َطب أو المُخا ِطب‪ .‬وكذلك‬          ‫وغيرها‪ ،‬والهدف هو إيصال‬               ‫والشفرات والألغاز لعرض‬
‫البيئة الزمانيَّة والمكانيَّة النابع‬      ‫رسالته وبلوغ غاياته وتقديم‬           ‫التهكم من السلطة‪ ،‬والسبب‬
                                                                               ‫يرجع إلى الخوف من القمع‬
   ‫منها النص‪ ،‬وكذلك يشم ُل‬                      ‫خدمة عامة للإنسانية‬
‫ال ُأسس الفكر َّية والحياتية»(‪.)4‬‬             ‫المظلومة جمعاء‪ .‬واتضح‬               ‫الذي ُيمارس بحقه إذا ما‬
                                           ‫لنا من خلال دراسة شعره‬                  ‫تم كشف النوايا المُبطنة‬
  ‫أي أ َّن النَّص يهدف إلى ربط‬             ‫أن شعره السياسي لم يكن‬              ‫والأنساق المُخاتلة التي بثَّها‬
 ‫البناء اللُّغوي الداخلي بما هو‬              ‫بسبب انتماء حزبي لجهة‬               ‫ضدها‪ ،‬وهنا تضي ُق دائرة‬
 ‫مقامي خارجي للوصول إلى‬                      ‫ما؛ بل كان تجربة شعرية‬                ‫الأهمية بحيث لا تخرج‬
‫مرامي القضية التي استهدفها‬                     ‫خالصة مهمتها التوعية‬             ‫من عباءة المُثقفين والأدباء‬
 ‫الشاعر وتبنَّاها لتكون محور‬                ‫والحذر من المُحيط المُته ِّرئ‬          ‫والنخبة المُفكرة‪ ،‬وبذلك‬
                                                                               ‫يطو ُل ُعمر السلطة وتتقوى‬
    ‫عنايته‪ ،‬وقد سلك الشاعر‬                       ‫بكل أشكاله وصنوفه‬                 ‫أركانها في حين ُتلاحق‬
    ‫أحمد مطر طريق السياق‬                      ‫وقضاياه‪ ،‬ولأ َّنها تجربة‬             ‫ال ُنخب و ُتنفى و ُتز ُّج في‬
‫المقامي لتعزيز أرصدة دلالاته‬               ‫ُمتشعبة الأركان وغائرة في‬
‫وتحميلها أبعا ًدا دلالية تداولية‬           ‫تجاويف الدلالات والأنساق‬                            ‫السجون‪.‬‬
 ‫لها شأنها ووزنها في القبول‬                                                         ‫وعلى وفق هذه الرؤية‬
    ‫والرضا‪ ،‬ولاسيما أ َّنه على‬                   ‫ارتأينا دراسة شعره‬               ‫وجدنا أ َّن ثيما َت الشاعر‬
‫دراي ٍة بتشعب ال ُأطر السياسية‬            ‫السياسي من جانب التما ُسك‬               ‫أحمد مطر كانت ُمو َّجهة‬
 ‫وجوانب السلطة التي تسمح‬                                                       ‫بصورة ُمباشرة وبأساليب‬
  ‫له باختراق أركانها وتص ُّيد‬                ‫الدلالي المعتمد على السياق‬         ‫ُمتداولة مف ُهومة‪ ،‬إذ لم يكن‬
                                            ‫المقامي‪ ،‬وقد أشار الجاحظ‬           ‫يأبه بما ستؤول إليه أموره‬
       ‫مصائبها والبوح بنيته‬                                                     ‫بعد الإعلان عن موقفه من‬
 ‫تجاهها‪ ،‬واستبان لنا جليًّا أ َّن‬              ‫(‪ 255‬هـ) إلى التما ُسك‬             ‫الأنظمة الحاكمة‪ ،‬بل كان‬
  ‫ثورية النخبة وتحقيق ُهوية‬                  ‫بقوله‪« :‬وأجود الشعر ما‬              ‫ُمدر ًكا لحجم الخطر الذي‬
  ‫الذات كانا مطلبين خاض في‬                 ‫رأيت ُه ُمتلاحم الأجزاء‪ ،‬سهل‬            ‫سيتعرض له ج َّراء تلك‬
‫غمارهما أحمد مطر وعمل على‬                   ‫المخارج‪ ،‬فتعلم بذلك أ َّنه قد‬         ‫الأشعار التي فضحتهم‪،‬‬
                                            ‫أفرغ إفرا ًغا واح ًدا‪ ،‬و ُسبك‬            ‫وبالفعل نال حظه من‬
   ‫تطويعهما من أجل قضيته‪،‬‬                     ‫سب ًكا واح ًدا‪ ،‬فهو يجري‬           ‫المُلاحقة ومكوثه في أرض‬
‫ويمكن إيضاح ذلك على النحو‬                   ‫على اللِّسان كما يجري على‬              ‫الغربة‪ ،‬ولكنَّه لم يتنازل‬
                                          ‫الدهان»(‪ ،)3‬وهو لا يبتعد عن‬            ‫يو ًما عن حقه وحق شعبه‬
                     ‫الآتي‪:‬‬                 ‫التما ُسك الشكلي في سياقه‬          ‫المسلوب وراح يكتب قصيدة‬
                                          ‫المقالي‪ ،‬بل يأخذ منه ويتجاور‬            ‫تلو ال ُأخرى حتى أصبح‬
 ‫أو ًل‪ :‬ثور َّي ُة ال ُّنخبة‬                ‫معه ل ُيح ِّقق بذلك الانسجام‬       ‫شاعر المنفى والسيد الثائر‪.‬‬
                                          ‫الكامل «فال ُبعد ال َّداخلي يتعلَّق‬       ‫امتاز شعر أحمد مطر‬
  ‫ُتمث ُل ال ُّنخبوي ُة اتجا ًها فري ًدا‬     ‫باللُّغة وتراكيبها من حي ِث‬         ‫بعرض القضايا المصيرية‬
   ‫بانطباعاته ورؤاه‪ ،‬وحدود‬                   ‫موقع الكلم ِة بين أخواتها‬         ‫التي ُتو ِّحد الشعوب العربية‬
                                              ‫والهيئة التي ائتلف ْت فيها‬       ‫أو ًل والشعب العراقي ثانيًا‪،‬‬
       ‫اشتغاله الفكري ضيِّق‬                 ‫الكلما ُت مع بعضها ومكان‬             ‫ونال من الأنظمة الحاكمة‬
  ‫لمح ُدودية المؤمنين به‪ ،‬ولهذا‬              ‫هذه الائتلافات والتراكيب‬            ‫بطرق ال ُّسخرية والمُفارقة‬
                                            ‫من الموضوع الجا ِمع لها‪..‬‬
    ‫تكون ِسهام النقد جارحة‬                   ‫وال ُبعد الخارجي يتمثَّ ُل في‬
  ‫و ُمؤثرة بسبب وعي النخبة‬                 ‫الظرو ِف والخلفيا ِت المُحيط ِة‬
 ‫بالمُحيط والقضايا وتفسيرها‬

      ‫بما يتلاءم وانتماءاتهم‪،‬‬
        ‫وعندما تشتد أواصر‬
   222   223   224   225   226   227   228   229   230   231   232