Page 277 - merit 47
P. 277

‫‪275‬‬              ‫ثقافات وفنون‬

                 ‫سينما‬

‫أندري تاركوفسكي‬  ‫آلان باديو‬                       ‫آرثر شوبنهاور‬      ‫ترجمة فنية لما يفكر فيه ويكتبه‬
                                                                      ‫الفيلسوف في الكتب والمقالات‪،‬‬
    ‫الكلمة والصورة‪ ،‬أيهما أبلغ‬    ‫عن طريق الأمثلة إيضاح ما هي‬
 ‫وأقدر تعبي ًرا عن أفكار الإنسان‬    ‫الحياة وما هو العالم»(‪ ،)1‬ومن‬       ‫عن طريق المشهد والصورة‪،‬‬
  ‫ومشاعره وتأملاته ومكنوناته‬       ‫هنا فالفن بدوره يسعى جاه ًدا‬       ‫فكما تتناول قضايا ومواضيع‬
  ‫الداخلية‪ ،‬لتأتي خلاصة الفيلم‬      ‫لفهم ماهية الوجود وكذا فهم‬        ‫اجتماعية‪ ،‬سياسية‪ ،‬اقتصادية‬
                                    ‫الذات الإنسانية‪ ،‬ولو بوسائل‬     ‫وفنية‪ ..‬إلخ‪ ،‬فإنها تتناول قضايا‬
    ‫في النهاية إلى فكرة ضرورة‬      ‫مختلفة عن تلك التي تستعملها‬       ‫ومواضيع فلسفية كذلك‪ ،‬سواء‬
‫الاتحاد والاندماج؛ إندماج الكلمة‬
                                  ‫الفلسفة‪ ،‬حيث يوظف «الصور»‬             ‫بدمجها داخل هذه المواضيع‬
     ‫والصورة للتعبير عن أفكار‬         ‫في سبيل تحقيق هذه الغاية‬      ‫السالفة الذكر أو بتناولها بشكل‬
  ‫الإنسان‪ .‬فالإنسان ‪-‬في الكثير‬       ‫الفهمية للوجود‪ ،‬سواء كانت‬      ‫محض وخاص‪ ،‬وكثي ًرا ما يلتقي‬
‫من الأحيان‪ -‬يعاني من أزمة في‬                                         ‫المُشا ِهد أثناء مشاهدته للأعمال‬
 ‫التعبير عن نفسه كذات إنسانية‬     ‫صو ًرا شعرية كتلك التي توظف‬        ‫السينمائية بالعديد من القضايا‬
                                   ‫في القصائد الشعرية‪ ،‬أو مرئية‬       ‫والأفكار والإشكالات الفلسفية‬
    ‫تتماهى وتنسجم فيها أبعاد‬
   ‫عدة‪ ،‬فهو كائن عاقل وراغب‪،‬‬          ‫كما الحال بالنسبة للسينما‬         ‫منضوية داخل هذه الأعمال‪،‬‬
                                               ‫والفنون البصرية‪.‬‬       ‫إما بشكل مباشر ومقصود أو‬
     ‫وذو بعد اجتماعي وروحي‬
  ‫ووجداني‪ ..‬وهذه التشكيلة من‬             ‫وإذا كانت الفلسفة تقوم‬         ‫بشكل غير مباشر يستنتجه‬
                                        ‫بوظيفتها الفهمية هذه عن‬       ‫ويؤوله المشاهد‪ ،‬وسواء بشكل‬
   ‫الأبعاد المتعددة هي ما يحول‬          ‫طريق الأسئلة‪ ،‬وبالدرجة‬
      ‫دون قدرة اللغة المفهومية‬        ‫الأولى باعتماد المفاهيم‪ ،‬فإن‬        ‫أساسي أو بشكل عرضي‪.‬‬
                                     ‫السينما توظف الصور‪ .‬وهنا‬       ‫إن الفلسفة لا تنفك تحضر وتجد‬
‫والمنطقية على التعبير عن أفكاره‬    ‫يحضرني فيلم “‪Words and‬‬
 ‫ومشاعره‪ ،‬إما لقصور اللغة أو‬           ‫‪ )2013( ”pictures‬الذي‬          ‫طر ًقا للتعبير عن نفسها داخل‬
 ‫لتعقيد التجربة المعاشة؛ الشيء‬      ‫يثير ويناقش موضوع جدلية‬          ‫الأدب والفن وبواسطة السينما‪،‬‬
 ‫الذي يعبر عنه المتصوفة بشكل‬
  ‫واضح وصريح بقولهم «كلما‬                                             ‫إلى حد يمكن فيه القول إن كل‬
                                                                    ‫ممارسة فنية هي بذاتها ممارسة‬

                                                                        ‫فلسفية وفعل تفلسف‪ ،‬فهي‬
                                                                      ‫تطرح الأسئلة وتنحت المفاهيم‬
                                                                       ‫وتحاول الإجابة عن إشكالات‬
                                                                      ‫العالم والوجود والإنسان؛ إنها‬
                                                                       ‫تحاول جاهدة فهم العالم‪ .‬أما‬
                                                                       ‫الفن فسيكون في هذا السياق‬

                                                                        ‫وسيلة للتعبير عن هذا الفهم‬
                                                                        ‫ووسيلة تساعد الفلسفة على‬
                                                                         ‫إثارة النقاش‪ ،‬الذي غالبًا ما‬
                                                                     ‫تثيره الأعمال والإبداعات الفنية‬

                                                                          ‫الكبرى‪ ،‬وهو ما يعبر عنه‬
                                                                       ‫الفيلسوف الألماني شوبنهاور‬
                                                                    ‫في كتابه «العالم كإرادة وتمثل»‪،‬‬
                                                                    ‫متحد ًثا عن الشعر بقوله‪« :‬عندما‬
                                                                     ‫يتحف الشاعر خيا ًل فإن غايته‬
                                                                     ‫هي كشف الأفكار؛ أي أنه يريد‬
   272   273   274   275   276   277   278   279   280   281   282