Page 15 - merit 45
P. 15

‫‪13‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫رؤى نقدية‬

   ‫وأدباء معاصرين وآخرين‪ .‬وهذا ما يفعله عناني‬              ‫النفس‪ ،‬ولكن ليس لدرجة التعري التام‪ ،‬أوالفضح‬
     ‫أي ًضا‪ ،‬لدى استرجاع شريط حياته الثرية‪ ،‬من‬              ‫الإباحي‪ .‬وعلاوة على ذلك‪ ،‬يدرك القارئ‪ ،‬أن من‬

   ‫خلال «واحاته»‪ ،‬التي أضافت الشيء الكثير‪ ،‬إلى‬                ‫يكتب السيرة الروائية‪ ،‬لا بد وأن تكون خزائن‬
                ‫السيرة الأدبية العربية المعاصرة‪.‬‬         ‫مستودعاته قد امتلأت‪ ،‬عن آخرها‪ ،‬بتجارب حياتية‪،‬‬
                                                         ‫عاشها وعايشها‪ ،‬في حقبة زمنية عاصرها‪ ،‬و ُحفرت‬
   ‫غير أن الإضافة الكبرى إلى ذلك الجنس الأدبي‬            ‫في ذاكرته آثارها‪ ،‬فراح يجترها‪ ،‬خاصة عندما شعر‬
 ‫بحق‪ ،‬جاءت عبر سفير الرواية العربية‪ ،‬في الغرب‬            ‫بأهميتها‪ ،‬التي تنبع أص ًل‪ ،‬من أهميته كشاهد عيان‪،‬‬

    ‫الأوروبي وأمريكا‪ ،‬وهو كاتبنا العالمي‪ ،‬صاحب‬                           ‫على عصر مائج بالأحداث الكبري‪.‬‬
 ‫جائزة نوبل للآداب (‪ ،)1988‬نجيب محفوظ‪ ،‬الذي‬                   ‫ويتبدى للقارئ هنا‪ ،‬أن كاتب مثل تلك السيرة‬
 ‫لم يغب عن خاطره‪ ،‬قبل فوات الأوان‪ ،‬أن يترك لنا‬             ‫الروائية‪ ،‬ليس إلا أحد شخصين‪ :‬شخص نجح في‬
                                                         ‫حياته‪ ،‬وآخر فشل فيها‪ ،‬وكلاهما تجربتان تصلان‬
   ‫أث ًرا سير ًّيا مه ًّما‪ ،‬وإن اطلق عليه لفظة «أصداء»‪،‬‬      ‫إلى مرحلة النضج‪ ،‬في نفس صاحبيها‪ ،‬فتمثلان‬
    ‫ليشي بانعكاسات الأيام والسنين الماضية‪ ،‬وقد‬              ‫نو ًعا من القلق الداخلي‪ ،‬الذي لا مفر من التفريج‬
  ‫راحت تدق أجراسها‪ ،‬في الذاكرة المحفوظية‪ ،‬وظل‬                ‫عنه‪ ،‬لاستعادة التوازن النفسى‪ ،‬وهذا ما حدث‪،‬‬
                                                           ‫حسب ظني مع محمد عناني‪ .‬إن «واحات» عناني‬
     ‫هاجسها يطارده‪ ،‬طب ًقا لرؤية (هارولد بلوم)‪،‬‬            ‫اتسمت بمكاشفة جريئة‪ ،‬وصراحة شديدة‪ُ ،‬تذ ِّكر‬
 ‫التي عبرعنها في كتابه الشهير‪« ،‬قلق التأثر»‪ ،‬حتى‬              ‫برواية الكاتب اللبناني‪ ،‬أمين معلوف‪« ،‬صخرة‬
                                                         ‫طانيوس» (‪ )1993‬الرامزة‪ ،‬ذات التقهقر الزمكانى‪،‬‬
   ‫تغلب عليه‪ ،‬بإصداره لـ»اصداء السيرة الذاتية»‪،‬‬               ‫بل وبتلك الرواية السيرية الغربية‪ ،‬التي أثارت‬
  ‫التي أرادها أ َّل تعيد إلى الأذهان‪« ،‬النوفيلا»‪ ،‬التي‬         ‫ضجة إثر صدورها‪ ،‬وأعني بها سيرة الكاتب‬
                                                              ‫والفيلسوف الفرنسي‪ ،‬ذي الأصول التشيكية‪،‬‬
      ‫أصدرها أي ًضا‪ ،‬قبل ذلك العمل بعدة سنوات‪،‬‬             ‫(ميلان كونديرا)‪ ،‬وهي كتاب «الوصايا المغدورة»‬
 ‫وأعني بها «يوم قتل الزعيم»‪ ،‬وهي‪ ،‬كما أراها من‬           ‫(‪ ،)1994‬الذي ألَّفه على شكل رواية‪ ،‬راح يستعرض‬
   ‫روايات الظل المحفوظية‪ ،‬التي لم تنل ح ًّظا واف ًرا‪،‬‬         ‫من خلالها‪ ،‬فصو ًل من حياته‪ ،‬ليبيِّن كيف أنه‬
  ‫من الاهتمام النقدي‪ ،‬خصو ًصا من ناحية شكلها‬              ‫تأثر منذ الصغر‪ ،‬بالموسيقى والفن بعامة‪ ،‬ومن ثم‬
‫السيري‪ ،‬حيث تبدى محفوظ‪ ،‬في هذا العمل‪ ،‬شاه ًدا‬              ‫كان ذكره‪ ‬لـ(باخ) و(شوبان) و(رانيليه) و(سترا‬
 ‫بحق على عصر وجيل‪ ،‬يمران بمخاض جديد‪ ،‬نحو‬                 ‫فنسكى) بل و(هيمنجواى) و(كافكا)‪ ،‬من بين كتاب‬
  ‫غد جديد‪ ،‬لم يشأ أن يفصح عنه تما ًما‪ ،‬كما كانت‬
   ‫عادته دو ًما‪ ،‬ليظل العمل الأدبي ‪-‬أ ًّيا كان نوعه‪-‬‬
‫منغل ًقا علي ذاته‪ ،‬في دائرة من الإلغاز الشفيف‪ ،‬الذي‬

           ‫يستفز القريحة النقدية‪ ،‬من حين لأخر‬
   10   11   12   13   14   15   16   17   18   19   20