Page 18 - merit 45
P. 18

‫العـدد ‪45‬‬   ‫‪16‬‬

                                                        ‫سبتمبر ‪٢٠٢2‬‬

  ‫حكم إرادته‪ ،‬وتحكيم الغير في ماله‪ ،‬وتسليطه إياه‬           ‫تاب ًعا‪ ،‬ومن هو أص ٌل‪ ،‬أو شم ٌس‪ ،‬وما تر َّت َب عنها‬
   ‫على جملة أحواله‪ ،‬والدخول تحت تكاليف شا َّقة‪،‬‬          ‫من ظلال‪ .‬النقد‪ ،‬كان بهذا المعنى‪ ،‬يتو َّخى الأصول‪،‬‬
                                ‫وعبادات ُم ْت ِع َبة»‪.‬‬  ‫التي س َي ْبنِي عليها من َب ْع َد ُهم القاعد َة‪ ،‬أو ما سيكون‬
    ‫لذلك‪ ،‬فهم بالعبارة القرآنية «قو ٌم َخ ِص ُمون»‪ ،‬لا‬    ‫التدوين والتثبيت فيما بعد‪ .‬وحتَّى في حالة زوجة‬
   ‫يسعون إلى معرفة‪ ،‬أو تصحيح رأي‪ ،‬أو مساءلته‬             ‫امرئ القيس الني حكمت ِض َّد زوجها‪ ،‬فهي حكمت‬
                                                         ‫بال ِّش ْعر‪ ،‬بما في ال ِّش ْعر من صورة‪ ،‬ولم تم ّس غيره‬
‫ونقده‪ ،‬مهما كان‪ ،‬فهم يذهبون إليه باعتباره فاس ًدا‪،‬‬
‫أو ُيو ِه ُمون بفساده‪ ،‬ظنًّا منهم أنهم أطلقوا رصاصة‬          ‫مما يجري خارجه‪ ،‬ليكون النقد‪ ،‬في أصله‪ ،‬هو‬
                                                          ‫الآخر‪ ،‬استشفا ًفا لل ِّش ْعر‪ ،‬بما فيه‪ ،‬لا انحرا ًفا عنه‪،‬‬
     ‫ال َّرحمة عليه‪ ،‬وانتهوا منه‪ ،‬وينسون أن المعرفة‬     ‫أو ال َّز َوغان بالكلام عن سياقه‪ ،‬لنقرأ به ما ُنريد‪ ،‬أو‬
   ‫والإبداع‪ ،‬لا ترتهن بالتَّحا ُمل‪ ،‬بل بوضع الإصبع‬         ‫ما هو موجود عندنا بشكل مسبق‪ ،‬جاهز‪ ،‬كقالب‬

                     ‫على الجرح‪ ،‬لا جرح الإصبع‪.‬‬                    ‫ُن ْق ِحم فيه ما ليس منه‪ ،‬بالقوة‪ ،‬لا بافعل‪.‬‬
                                                           ‫اختلال النقد‪ ،‬بدأ مع سوء الفهم‪ ،‬من جهة‪ ،‬ومع‬
                  ‫[‪]5‬‬                                     ‫سوء الظن وال َّطو َّية من جهة ثانية‪ ،‬وما الرغبة في‬

‫الثقافة التي تخلق الآلهة والأوثان‪ ،‬و ُتحيط حاضرها‬                  ‫الخصا ِم والتَّحا ُمل‪ ،‬فقط‪ ،‬من جهة ثالثة‪.‬‬
   ‫بماضيها‪ ،‬هي ثقافة ه َّشة‪ ،‬عاجزة‪ ،‬لا تملك حرية‬        ‫فسوء الفهم‪ ،‬فيه تم ُّح ٌل في القراءة‪ ،‬وأن ما يقرؤونه‬
   ‫نفسها‪ ،‬ولا فكرة أو سؤال لها‪ ،‬وهي ثقافة عا َلة‪،‬‬       ‫يكون أوسع من ال ُّث ْقب الذي منه ينظرون في الكتاب‪،‬‬
       ‫قبل أن تكون عا َل ًة على غيرها‪ ،‬فهي عالة على‬
                                                          ‫الظلمة فيه تطغى على النهار‪ ،‬وهذا وضع الأعمى‪،‬‬
‫نفسها‪ ،‬لأنها‪ ،‬لا هي بداية‪ ،‬ولا هي نهاية‪ ،‬ولا شيء‬         ‫َم ِن النهار عنده هو الليل‪ ،‬ما الفرق‪ .‬أما سوء ال َّظ ِّن‬
    ‫فيها يقول ما تكون‪ ،‬وكيف تكون‪ ،‬وما المعارف‬
                                                           ‫وال َّطو َّية‪ ،‬فهذه من آفات الثقافة العربية‪ ،‬ليس في‬
‫والأساسات التي تقوم عليها‪ ،‬خصو ًصا فيما يتعلَّق‬              ‫ماضيها‪ ،‬فقط‪ ،‬بل في حاضرها‪ ،‬في هذا ال َّرا ِهن‬
     ‫بالإبداع‪ ،‬الذي هو‪ ،‬دائ ًما‪ ،‬إضافة‪ ،‬وهو خروج‬
                                                           ‫الذي نحن فيه‪ ،‬نرى ونقرأ ونسمع‪ ،‬ونستنكر ما‬
   ‫من ظلال وعباءات الأسلاف‪ ،‬مهما كانت قوتهم‪،‬‬              ‫نراه ونسمعه ونقرؤه‪ِ ،‬لا د َخ َله من تحا ُمل‪ ،‬و َك ْيد‪،‬‬
  ‫وما لهم من حضور وتأثير‪ .‬وكثي ًرا ما يكون هذا‬            ‫وتدليس‪ ،‬ورغبة في الهدم‪ ،‬وفي اغتيال الأشخاص‪،‬‬
 ‫الحضور والانتشار والتأثير‪ ،‬بمثابة الشجرة التي‬
   ‫تخفي الغابة‪ ،‬و ُتخفي ما فيها من نغم وموسيقى‬              ‫دون فهم ما يصدرون عنه‪ ،‬لا في النص‪ ،‬ولا في‬
‫وأصوات وألوان‪ ،‬وأنواع‪ ،‬وأشجار وأزهار و ُطيوب‬               ‫النظر‪ .‬أ َّما الرغبة في ال ِخصام والتَّحا ُمل‪ ،‬فهذا ما‬
                                                             ‫كان قال عنه الجرجاني في «الرسالة الشافية»‪:‬‬
                                                           ‫« ُي َبيِّن ذلك أن الع ُد َّو يقصد لدفع قول عدوه بكل‬

                                                                                         ‫ما قدر عليه من‬
                                                                                        ‫المكايد‪ ،‬ولا سيما‬

                                                                                          ‫مع استعظامه‬
                                                                                        ‫ما َب َد َهه بالمجيء‬

                                                                                          ‫من خلع آلهته‪،‬‬
                                                                                        ‫وتسفيه رأيه في‬
                                                                                        ‫ديانته‪ ،‬وتضليل‬
                                                                                         ‫آبائه‪ ،‬والتغريب‬
                                                                                        ‫عليه بما جاء به‪،‬‬
                                                                                      ‫وإظهار أمر يوجب‬
                                                                                         ‫الانقياد لطاعته‪،‬‬
                                                                                         ‫والتص ُّرف على‬
   13   14   15   16   17   18   19   20   21   22   23