Page 19 - merit 45
P. 19

‫‪17‬‬          ‫إبداع ومبدعون‬

            ‫رؤى نقدية‬

                                                                    ‫وروائح وعطور‪ ،‬بل وحروب‪،‬‬

                                                                                                                       ‫أي ًضا‪.‬‬

                                                                         ‫أبو القاسم الشابي‪ ،‬في‬

                                                                    ‫زمنه‪ ،‬كان غير ما هو عليه‬

                                                                         ‫في غيابه‪ ،‬كان الخزندار‪،‬‬

                                                                                                                       ‫شاعر تقليدي‪ ،‬هو‬

                                                                         ‫الشجرة التي أخفت كل‬

                                                                    ‫شيء‪ ،‬والشابي‪ ،‬حتَّى في‬

                                                                    ‫محاضرته حول «الخيال‬

                                                                    ‫الشعري عند العرب»‪ ،‬التي‬

                                                                     ‫لها أهمية خا َّصة في فهم‬
                                                                    ‫خيال ال ِّشعر العربي الذي‬

                                                                                                                       ‫انتقده الشابي‪ ،‬وانتقد‬

                                                                    ‫ُشعراءه‪ ،‬لم يحضرها إلا‬

                                                                         ‫الشابي ولحليوي الذي‬

‫خالدة سعيد‬  ‫جيل دولوز‬                                 ‫بابلو نيرودا‬       ‫كان س ُيدير الجلسة‪ .‬لا‬
                                                                         ‫اعتبار لشاعر‪ ،‬سيصبح‬

  ‫لعجزهم‪ ،‬وفقرهم في المعرفة والنظر‪ ،‬أن مثل هذه‬        ‫هو الشجرة‪ ،‬بعد تسعة وعشرين عا ًما من التَّجا ُهل‬
 ‫المشاريع‪ ،‬والتجارب‪ ،‬والأعمال العظيمة الكبرى‪ ،‬لا‬       ‫والنِّسيان‪ .‬بماذا ُن َف ِّسر هذا الجحود‪ ،‬وبأي معنى‪،‬‬
                                                      ‫لا نكتشف ال ِّش ْعر ولا ال َّشاعر‪ ،‬إلا بعد غيابه‪ ،‬أم أن‬
   ‫تموت‪ ،‬بل ُت َؤ َّجل فقط‪ ،‬في انتظار زمنها الذي فيه‬    ‫«المُعاصرة [ح ًّقا] حجاب»‪ ،‬كما كتب البغدادي في‬
 ‫ستظهر‪ ،‬لأنها‪ ،‬في ُع ْرف المعرفة والإبداع‪ ،‬تأتي من‬
                                                                         ‫مقدمة «خزانة الأدب»؟!‬
             ‫المستقبل‪ ،‬وهي أمامنا‪ ،‬وليست خلفنا‪.‬‬
                                                                    ‫[‪]6‬‬
                 ‫[‪]7‬‬
                                                      ‫ال ُّن َف ِر ّي‪ ،‬نسبة إلى بلدة ُن َفر بالعراق‪ ،‬هو‪ ،‬قبل‬
‫من ُي َب ِّجلون اليوم شعر الإنشاد‪ ،‬وشعر ال ِّشعارات‪،‬‬  ‫الشابي‪ ،‬وغيره ممن عادوا إلى الحياة بعد اغتيال‬
        ‫وشعر السياسة‪ ،‬وشعر المُناسبات‪ ،‬وشعر‬           ‫المُعاصرة لهم‪ ،‬هو واحد ممن ا ْس َت ْع َصى َن ُّص ُهم‪ .‬ما‬
                                                      ‫كتبه ليس خطا ًبا‪ ،‬بل هو ن ٌّص‪ ،‬والمسافة شاسعة‬
 ‫«القصيدة»‪ ،‬لا شعر العمل والأثر‪ ،‬وهذا هو جوهر‬         ‫ا َيلم ُفشهُّدوكم‪ُ .‬ي ْزف ِعه ُمج نك‪ٌّ ،‬صو‪،‬بق ُمد َرش ِّوما ٌش‪،‬‬  ‫بين الاثنين‪ ،‬من حيث‬
      ‫ما علينا الدخول فيه‪ ،‬لفهم شعر من نضعهم‬                                                                           ‫ُم ْر ِبك‪ُ ،‬محيِّ ٌر‪ ،‬بقدر ما‬
     ‫موضع الآلهة والأوثان‪ ،‬يكتفون باللحظة التي‬        ‫ُي ْف ِه ُمك‪ُ ،‬يع ِّمي َف ْه َمك و ُي ْر ِب ُك َك‪ُ ،‬مري ٌب و ُمحيِّر‪ ،‬لم‬
                                                      ‫ُي ْد ِرك هذا بعض من كتبوا عنه بجهله‪ ،‬لأنهم لم‬
 ‫فيها يحدث الانفعال‪ ،‬وتتأ َّجج المشاعر والعواطف‪،‬‬      ‫يمتلكوا زمام النص‪ ،‬ولا جنسه‪ ،‬أو بما هو عمل‬
 ‫كما حدث مع الشابي نفسه الذي اختزلته المدرسة‬
  ‫في «إذا الشعب يو ًما أراد الحياة»‪ ،‬ومع شوقي في‬      ‫وأثر شعري جاء خارج النَّ َسق‪ ،‬وخارج البناء‪،‬‬
                                                      ‫وخارج التص ُّور النقدي العربي‪ ،‬وخارج تص ُّورات‬
   ‫قصيدة دمشق‪ ،‬ومع محمود درويش في «سجل‬                 ‫الذهنية الثقافية العربية‪ ،‬بل خارج العقل والخيال‬
     ‫أنا عربي»‪ ،‬ومع الجواهري‪ ،‬في ما كان ُي ْن ِش ُده‬
                                                      ‫العربيين‪ ،‬ليكون وح َده‪ ،‬ما ألقى به في غياهب‬
‫المُتظاهرون له من أبيات في شوارع بغداد‪ ،‬ومع عبد‬       ‫الاغتيال‪ ،‬والتَّجا ُهل والنسيان‪ ،‬ونسي من فعلوا هذا‪،‬‬
 ‫الله البردوني‪ ،‬فيما هجا به وضع اليمن‪ ،‬وفي بابلو‬

   ‫نيرودا‪ ،‬إذا شئنا أن ُنو ِّسع الوعاء أكثر‪ ،‬دون أن‬
  ‫نقرأ هؤلاء فيما تب َّقى منهم‪ ،‬في شعرهم كام ًل‪ ،‬لا‬
   14   15   16   17   18   19   20   21   22   23   24