Page 22 - merit 45
P. 22
الانتشار والسريعة بشكل يفوق الخيال، الثقافة التي تخلق الآلهة والأوثان،
ُمه َّددة بتسطيح كل اتصال وتحويله إلى و ُتحيط حاضرها بماضيها ،هي ثقافة
سطح واحد ُمتجانس ،وظيفة الأدب ،هي
الاتصال بين أشياء مختلفة ،لأنها ،ببساطة، ه َّشة ،عاجزة ،لا تملك حرية نفسها،
مختلفة ،ليس لِ َث ْلم ِح َّدة الاختلاف بينها ،بل ولا فكرة أو سؤال لها ،وهي ثقافة
لزيادة ال ِح َّدة حتَّى تب ًعا للميل الصادق للغة عاَلة ،قبل أن تكون عاَل ًة على غيرها،
المكتوبة». فهي عالة على نفسها ،لأنها ،لا
الع ْصر الذي نحن فيه ،هو عصر الفاست هي بداية ،ولا هي نهاية ،ولا شيء
فيها يقول ما تكون ،وكيف تكون،
فود ،أو ثقافة الفاست فود ،كل شيء وما المعارف والأساسات التي تقوم
ُمعلَّب ،مصنوعُ ،م َع ٌّد و ُم َهي ٌء ،لم نعد نحتاج عليها ،خصو ًصا فيما يتعَّلق بالإبداع،
إلى جهد في البحث والتق ِّصي ،والصبر فيما
الذي هو ،دائ ًما ،إضافة ،وهو خروج
نصل إليه من نتائج ،بالقراءة والتأ ُّمل، من ظلال وعباءات الأسلاف.
وطرح الأفكار والأسئلةُ ،نجيب ،بدون
وازع للجواب ،والسؤال ،في الأصل ،غير « ُج ْرح المعنى» ،وفي قراءتها لديوان أدونيس «مفرد
مطروح .هذا واقع ثقافتنا ،اليوم ،ثقافة بصيغة الجمع» ،اعتبرت أن أدونيس ،لم يتخلَّص
تتعثَّر في تلابيبها ،لا هي ثقافة غرب ،ولا من الوعي الشفاهي.
هي ثقافة شرق ،ثقافة هجينة ،ترتدي
كل الأقنعة ،تلبس كل الألوان ،لا لون ولا []12
طعم لها ،تكتسي بالضبابية والالتباس في
الموقف وفي الرؤية ،بل لا رؤية لها ،عمياء، ث َّمة ما يفضح هذه السطحية في وعينا الثقافي بالنقد
تقطع ال ُّط ُرق دون أن تميز فيها بين ما هو وبالسؤال ،وبالبداهة التي لا ُنقاومها ،بل هي ما
ُيقاومنا ،وتنزع عنَّا الوعي ،ل ُت ْل ِقي بنا في لا وعيها،
أفق ،وما هو هاوية.
وهو ما كان كتبه إيطالو كالفينو في إحدى وصاياه،
[]13 للتعبير عن هذا الابتذال الذي م َّس الثقافة والإبداع
والخيال ،وأنهك العقل الذي صار يستجيب و ُيجيب،
ما في حواري الذي صدر بمجلة «ميريث الثقافية»،
هو اختزال وتكثيف لمشروع شعري -نظري ،يعود ولا يستطيع توليد السؤال ،أو الفكرة والقضية،
فالإعلام ن َّمط العقلَ ،سيَّ َج ُه ،أ ْط َب َق عليه ،أدخله في
إلى أربعين سنة من عمري الثقافي ،أو حضوري قفصه الاستهلاكي ،القائم على ترويج المعلومات
في المشهد الثقافي المغربي ،وقد كان كتاب «رهانات وإذاعتها ،دون تف ُّحصها وتدقيقها ،المُهم هو القذف
بها في وجوه الآخرين ،دون حساب العواقب .يقول
الحداثة -أفق لأشكال محتملة» ،الصادر عن دار
الثقافة بالدار البيضاء سنة ،1996تعبي ًرا عن هذا «في عصر تنتصر فيه وسائط الإعلام الواسعة
المشروع ،رغم ما كان فيه من غموض ،ورغبة في
الانتقال بال ِّش ْعر من «القصيدة» إلى الكتابة ،أو إلى
العمل ال ِّشعري ،ومن يريد أن يكتب ،أو ُيلاحظ ،أو
ُيع ِّقب ،أو ينتقد ،أو ي ْش ُتم ،حتَّى ،لا ُبد أن يعود إلى
ما كتب ُته ،منذ هذا التاريخ ،أو قبله ،شع ًرا وتص ُّو ًرا،
وأن يعود إلى أطروحتي التي صدرت في طبعتين
«حداثة الكتابة في ال ِّشعر العربي المُعاصر» ،وما
جاء بعدها من كتب ،ويقرأ الأعمال الشعرية ،من