Page 26 - merit 45
P. 26

‫العـدد ‪45‬‬   ‫‪24‬‬

                                                                                             ‫سبتمبر ‪٢٠٢2‬‬

‫المستهدف»(‪ ،)5‬ويمثل تعريف العنوان‪ :‬المنارة التي‬                                                 ‫المبحث الأول‪ :‬سيميائي ُة ا ْل ُع ْن َوا ِن‬
                                                                                             ‫وإشعاعا ُته ووظا ِئ ُف ُه في رواية الوارفة‪:‬‬
‫تضيء جنبات السرد وتظهر جنبات كهوف السرد‬
‫الخفية؛ فض ًل عن كونه القاعدة التي يمكن الانطلاق‬
                                                                                              ‫َي ْك َت ِس ُب العنوان َم َكان ًة خاص ًة ِع ْن َد ال ُّن َقا ِد ِف الآ ِو ِن ِة‬
‫منها والاتكاء عليها في التبصر بأسرار العمل‬                                                       ‫ال َأ ِخ ْي َر ِة‪ ،‬وقد اهتم السيميائيون بدراسة كل ما‬
                                                                                                 ‫يحيط بالنص من الخارج (العتبات)‪ ،‬ولا سبيل‬
‫السردي وتوجهاته‪ ،‬وسيبقى الوقوف أمام العنوان‬
                                                                                               ‫عندهم للغوص في أعماق النص من دون مناوشة‬
‫وأهميته وحقيقته أم ًرا جدليًّا وملغ ًزا‪ ،‬خاصة أن‬                                                ‫عتباته‪ ،‬على أساس أن الإحاطة بأسرار الخارج‪/‬‬
‫العنوان قلب النص النابض الذي يمده بالحياة‪،‬‬                                                       ‫العتبات هي الأصل في التبصر بأسرار الداخل‪:‬‬
                                                                                                ‫«ويأتي الدور المباشر لدراسة العتبات متمث ًل في‬
‫كما أنه بوابة السرد المشرعة التي تكتنف مغاليقه‪،‬‬                                                  ‫نقل مركز التلقي من النص‪ /‬العنوان إلى النص‬
                                                                                             ‫الموازي‪ /‬التفاصيل السردية‪ ،‬وهو الأمر الذي عدته‬
‫والعنوان مفتاح السرد السحري الذي يكشف‬                                                          ‫الدراسات النقدية الحديثة مفتا ًحا مه ًّما في دراسة‬

‫عوالمه ويبين عن مبدعه وصاحب عذريته‪ ،‬ويعطيه‬                                                                               ‫النصوص المغلقة»(‪.)1‬‬
                                                                                                    ‫و ُي َع ُّد العنوان البواب َة المفصليَّ َة ل ُو ُل ْو ِج ال َع َم ِل‬
‫وثيقة النسب التي تتعاضد مع بصمة المبدع‪.‬‬                                                      ‫ال َّسردي ومناوشته‪ ،‬ومحاورته‪« :‬ولا يمكن مقاربة‬
                                                                                                   ‫أي نص أو خطاب أو نشاط إنساني وبشري‬
‫ويتشابك العنوان مع العمل ويترابط معه في سلسلة‬                                                 ‫[والعنوان على رأسها] مقاربة علمية موضوعية إلا‬
                                                                                              ‫بتمثل المقاربة السيميوطيقية التي تتعامل مع هذه‬
‫من العلاقات والاستعارات والإيحاءات والعلامات‬                                                     ‫الظواهر المعطاة‪ ،‬باعتبارها علامات‪ ،‬وإشارات‪،‬‬
                                                                                                   ‫ورمو ًزا‪ ،‬وأيقونات‪ ،‬واستعارات‪ ،‬ومخططات‪.‬‬
‫والرموز والإشارات‪ ،‬ويتقاطع العنوان مع العمل في‬                                                ‫ومن ثم‪ ،‬لا بد من دراسة هذه الإنتاجات الإبداعية‬
                                                                                                 ‫والأنشطة الإنسانية تحلي ًل وتأوي ًل»(‪)2‬؛ ويرفد‬
‫مجموعة من التجاذبات التي تظهر في شكل تداخل‬                                                   ‫التبصر بأسرار العتبات النصية القارئ بحالات من‬
                                                                                                ‫الإبهار والإدهاش والاكتشاف وينقله من خارج‬
‫جوهري وعرضي في جانب‪ ،‬وتلاق جزئي وكلي‬                                                         ‫النص‪ /‬العتبات والنص الموازي إلى النص‪ ،‬ويجعله‬
                                                                                                 ‫قاد ًرا على فك الشفرات التي تربط بين العتبات‬
‫في جانب ثان‪ ،‬ودلالات محدودة وغير محدودة في‬                                                   ‫والنص‪« :‬حيث تتمفصل العتبات المحيطة مع بنيات‬
                                                                                                ‫النص الداخلية وتتفاعل معها لتنصهر في نسيج‬
‫الجانب الأخير؛ ولذا لا يمكن سبر أغوار التفاصيل‬                                                ‫الكل النصي»(‪ ،)3‬ويظل العمل الأدبي أص ًّما جام ًدا؛‬
                                                                                              ‫بله وعصيًّا على الاستنطاق والمناوشة ما لم يتمكن‬
‫السردية أو إدراك أسرارها أو فك شفراتها من دون‬                                                   ‫القارئ من اكتشاف المغزى الذي يضمره المبدع‬
                                                                                             ‫خلف عتباته ومناصاته السردية‪« :‬فللعتبات النصية‬
‫مناوشة العنوان وفهم فلسفته والتنبؤ بحمولته‪،‬‬                                                   ‫والفاتحة السردية إسهام إشاري مرتبط بمكونات‬

‫وهو ما يقرره هذا الرأي‪« :‬يع ُّد العنوان من بين أهم‬                                                                      ‫السرد وجوانياته»(‪.)4‬‬
‫عناصر المناص (النص الموازي)؛ لهذا فإن تعريفه‬                                                        ‫و ُي َع َّر ُف العنوا ُن اصطلا ًحا بأنه‪« :‬مجموعة‬
                                                                                                     ‫العلامات اللسانية من كلمات وجمل وحتى‬
‫يطرح بعض الأسئلة ويل ُّح علينا في التحليل؛ فجهاز‬                                                 ‫نصوص‪ ،‬قد تظهر على رأس النص؛ لتدل عليه‬
    ‫العنونة كما عرفه عصر النهضة أو قبل ذلك‪/‬‬                                                      ‫وتعينه وتشير لمحتواه الكلي‪ ،‬ولتجذب جمهوره‬

‫العصر الكلاسيكي كعنصر مهم كونه مجمو ًعا‬
‫معق ًدا أحيا ًنا أو مرب ًكا وهذا التعقيد ليس لطوله‬
‫أو قصره‪ ،‬ولكن مرده إلى مدى قدرتنا على تحليله‬

                                          ‫وتأويله»(‪.)6‬‬
    ‫ويبقى عنوان العمل مستق ًّل وظيفيًّا عن العمل‬
‫نفسه‪ ،‬فض ًل عن أنه يتماهى فنيًّا ودلاليًّا مع العمل‬
‫نفسه؛ لأن العنوان يمثل إطا ًرا للعمل يهيمن عليه‬
‫ويستوعبه‪ ،‬في حين يعد العمل في مجمله امتدا ًدا‬
‫وترجمة لهذا العنوان‪ ،‬وهو ما يتقاطع مع هذا‬
‫الرأي‪« :‬وأ َّي ُة َن َظ ِر َّي ٍة ِف ال ُع ْن َوا ِن َي ِج ُب َأ ْن َت َت َأ َّس َس‬
‫َع َل َض ْو ِء المُ َفا َر َق ِة الَّتِي َت ْط َر ُح َها ُم َقار َن ُته ِب َع َملِ ِه‪،‬‬
‫و َت َت َج َّل ِف َأ َّن ال ُع ْن َوا َن ُم َقا َر ًنا ِب َما ُي َع ْن ِو ُن ُه َش ِد ْي ُد‬
‫َع َل‬  ‫ِم ْن ُه‬  ‫ِغ َن ًى‬  ‫و َأ ْك َث ُر‬  ‫الف ْق ِر َع َل ُم ْس َتوى ال َّدلا ِئ ِل‪،‬‬
                                                ‫مستوى ال ِّدلال ِة»(‪.)7‬‬
‫وهو ما يعني أن علاقة العنوان بالعمل طردية‬
   21   22   23   24   25   26   27   28   29   30   31