Page 27 - merit 45
P. 27

‫‪25‬‬            ‫إبداع ومبدعون‬

              ‫رؤى نقدية‬

                                                                   ‫وعكسية في آن‪ ،‬طردية لأن‬

                                                                   ‫التفاصيل السردية هي‬

                                                                   ‫المولود الشرعي للعنوان‪،‬‬

                                                                   ‫وعكسية لأن للعنوان‬

                                                                   ‫وظائف مستقلة عن‬

                                                                   ‫وظائف المعمار السردي‪،‬‬

                                                                   ‫والعنوان شيء مستقل‬

                                                                   ‫ومختلف عن العمل الذي‬

                                                                   ‫يمثل شيئًا آخر؛ ولذا يمكن‬

                                                                   ‫تشبيه هذه العلاقة بأن‬
                                                                   ‫العنوان ُه َو ال َّس ِف ْي َن ُة التَّي‬
                                                                    ‫َت ُق ْو ُد إِ َل َم َرا ِف ِئ ال َّس ْر ِد؛‬
                                                                     ‫فالسفينة هي العنوان‪،‬‬

                                                                   ‫وتفاصيل السرد هي‬

                                                                   ‫الشاطئ الذي ترسو عليه‬

‫أميمة الخميس‬  ‫جميل حمداوي‬                             ‫جيرار جينيت‬  ‫السفينة‪ ،‬والسفينة شيء‬
                                                                   ‫مغاير للمرفأ‪ ،‬ومع أنه لا‬

 ‫أعطى كتابه ما أعطاه للعمل من عناية واهتمام؛ بل‬       ‫غني لأحدهما عن الآخر؛ فلكل منهما خصوصية؛‬
 ‫كانت عنونة العمل أكثر مما نظن إشكا ًل؛ فمقاصد‬
                                                      ‫ولذا فالعنوان شيء مستقل عن التفاصيل السردية‪،‬‬
    ‫المرسل منها تختلف عن مقاصده من عمله»(‪،)11‬‬
  ‫ويحتاج العنوان في صياغته إلى معاناة ومجاهدة‬         ‫ولا حضور للتفاصيل السردية ولا وجود لها قبل‬
   ‫من المبدع‪ ،‬ولا يكون اختيار العنوان عشوائيًّا أو‬
‫اعتباطيًّا‪« :‬مما لا شك فيه أن اختيار العناوين عملية‬   ‫ظهور العنوان‪ ،‬والعنوان نص مواز للنص السردي‪،‬‬
  ‫لا تخلو من قصدية كيفما كان الوضع الأجناسي‬
                                                      ‫والنص امتداد لظلال العنوان‪ ،‬والعنوان والنص‬
     ‫للنص‪ ،‬إنها قصدية تنفي معيار الاعتباطية في‬
   ‫اختيار النص»(‪ ،)12‬وإذا كان من المحتمل أن يغفل‬      ‫وجهان لعملة واحدة في بعض الوجوه‪ ،‬لا غني‬
‫المبدع عن تجويد بعض التفاصيل السردية؛ فإنه لا‬
 ‫يمكن أن يغفل عن العنوان الرئيس للنص‪ ،‬ويحاط‬           ‫لأحدهما عن الآخر‪ ،‬ولا وجود لأحدهما بمعزل عن‬

    ‫العنوان الرئيس بحالات من التجريب والانتقاء‬        ‫الآخر‪ ،‬وعلاقتهما ببعضهما تشبه علاقة الرأس‬
    ‫والتردد والحيرة والإقبال والإدبار حتى يصل‬         ‫بالجسد‪ ،‬وهو ما يمثله هذا الرأي‪« :‬العنوان سؤا ٌل‬
                                                      ‫يطرحه الإبدا ُع؛ ليك ِّو َن النّ ُّص إجاب َة هذا ال ُّسؤا ِل»(‪،)8‬‬
          ‫المبدع منه إلى العنوان الذي يطمئن عليه‪.‬‬     ‫وهو ما يتسق هذا الرأي‪« :‬فالعنوان في الحقيقة بني ٌة‬
  ‫وتخضع صياغة العنوان لمعايير وضوابط كثيرة‪،‬‬           ‫عميق ٌة‪ ،‬فهو الذي يولد النص باعتباره ن ًّصا سطحيًّا‬
   ‫تجعل من العنوان دا ًّل على التفاصيل‪ ،‬ومحر ًضا‬                   ‫عبر مجموعة من عمليات التحويل»(‪.)9‬‬

      ‫على الاكتشاف‪ ،‬ومعينًا على استنباط الجدارة‬       ‫إن العنوان هو الذي يعطي السرد الشرعية ويعلن‬
  ‫الفنية للمبدع‪ ،‬ومعل ًل ومفس ًرا للألغاز الكامنة في‬
  ‫ثنايا النص الأدبي‪ ،‬كما يحمل العنوان سلطة دالة‬       ‫عن ولادته‪« :‬والمهم في العنوان هو سؤال الكيفية؛‬
   ‫على تنامي السرد ووصاية ضمنية على مجرياته‬
  ‫وتحولاته؛ لأن العنوان بمثابة نواة مشعة وقادرة‬       ‫أي كيف يمكننا قراءته كنص قابل للتحليل والتأويل‬
                                                         ‫يناص نصه الأصلي»(‪)10‬؛ ولِ َذا َي ْخ َض ُع ال ُع ْن َوا ُن‬
                                                      ‫ِ َل ْل َوا ٍن ِم َن التَّ ْش ِر ْي ِح والتَّ ْف ِس ْي ِر والتَّ ْقيِ ْي ِم‪ ،‬و َل َع َج َب‬

                                                         ‫َأ ْن َن َرى ال َأ ْض َوا َء ُم َو َّج َه ًة إِ َل ال ُع ْن َوا ِن و َف ْل َس َفتِ ِه‬
                                                         ‫َد ْر ًسا َت ْطبِ ْي ِقيًّا و َت ْن ِظ ْي ًرا‪ ،‬كما أن العنوان يحظى‬
                                                         ‫بعناية المبدع أكثر من عنايته بتفاصيل العمل‪:‬‬

                                                      ‫«ونح ُن في غنًى عن التأكيد على أن مرسل العمل قد‬
   22   23   24   25   26   27   28   29   30   31   32