Page 23 - merit 45
P. 23
21 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
ُمج ِّم َدة للأشياءُ ،مر ِّس َخة لها ،تستكين إلى الثبات «حامل المرآة» إلى «كوميديا العدم» ،بكل ما في بعض
والاستقرار ،ولا ترغب في الصيرورة والاستمرار. هذه الأعمال الشعرية من أجزاء .أما أن َي ْب َت ِس َرني
وقد كان أنكسمندريس ،أ َّكد أ َّن ال ِعلَّة المادية الأولى البعض في حوار ،فهذا جهل ،لا تحتمله المعرفة ،لا
والعنصر الأول للأشياء هو اللانهائي ،كما كان يقبله العقل المستقيم الناضج ،الذي تشبَّع بقيم النقد
تكلَّم عنه سمبليقيوس .ونحن ،بقينا نميل إلى ما والمُساءلة والحوار.
ينتهي ،و ُي ْح َسم ،كل بداياتنا ،هي دليل على تخ ُّبط []14
وارتباك ،فيما الإغريق أدركوا منذ قرون طويلة أن
ُنسيء لل ِّش ْعر باختزاله في شاعر ،أو في بل ٍد ،أو في
«اللانهائي دائم وأزلي». تجربة ،أو في جغرافية بعينها .هذا المعنى انتهى،
وال ِّش ْعر ،هو َم َج َّرة ،اكتشافها في تن ُّوعات فضاءاتها،
[]16 وسهولها وهضابها ،وفي أراضيها ،بكل ما فيها من
لين و ِش َّدة ،هو ما يفتح أعيننا على الشمس ،دون أن
ِ َل و ْح َدنا ،من َك َت ْمنا الشمس والهواء في زجاجة، ُتصاب بجرح أو خدش ،أو ُيصيبها ال َع َمى ،فالضوء
واعتبرنا ما يكون خارج الزجاجة ،لا هو شمس،
ولا هو هواءَ ِ .ل نحن ،فقط ،من ِم ْلنا إلى الاغتيال المُ ْف ِر ُط المفاجيء يعمي و ُي َعتِّم.
الرمزي ،وابتكرنا كل الأسلحة لهذا الاغتيال ،ولم ليس ال ِّشعر السياسة والمناسبة ،ال ِّش ْعر ،كما يراه
ننتبه إلى أ َّننا ُن ْطلِق الرصاص على َأقدا ِمنا ،ظنًّا منا بورخيس ،هو شع ٌر بالجمال ،بما يطفو في أنفسنا
من «متعة الكلمات» و»متعة موسيقى الكلمات»،
أننا نغتال الخصم ،أو العد َّو ،أو من نتو َّهم أنه
الخصم والعدو .و ِ َل الوعي عندنا شق ٌّي ،بئيس، لأ َّن في ال ِّش ْعر ،الذي نقرؤه بالمُخيِّ َلة ،رغم تأكيد
ينقلب على نفسه ،يتقهقر ،لا يمشي إلا بمقدار ما بورخيس على العقل ،نجد «كل أصوات البشرية».
تزحف به السلحفاة نحو الضوء ،والج ُّو نها ٌر؟! []15
أجدني ،في هذا البيان ،مدفو ًعا إلى الموسيقى ،التي
ُيتيح لي هذا أن اعتبر من رآني ُم ْك َتفيًا بما هو
هي أكثر حرية من ال ِّش ْعر عندنا ،ومن الثقافة وطني أو مح ِّل ،أخطأ الطريق إل َّي ،أنا الغارق في أفق
نفسها .في ألبوم [أون ذا كورنر] ،الفوضى والنِّظام
يتحركان في نفس الوقت ،على نفس الوتيرة .ال َّط ْب َلة الإنسان ،في ثقافة الكون ،في تراث البشر منذ بدء
وال ِّستار والفنك ،تتصادى فيما بينها ،ما ش َّكل في الخليقة إلى اليوم .لا يكفي أن نختلف مع الشخص،
هذه اللحظة الإبداعية الفارقة ،ما اعتبره الموسيقيون
في أن نقول عنه ما لم نفهمه ،أو ما لم نقرأه في
«غاب ًة كونية» ،موسيقى خيالية ،بقدر ما نلمسها شعره وتصوره ،هذا ليس اختلا ًفا ،بل هو تم ُّحل،
تشويه للحقيقة ،وقول شيء لا علاقة له بالواقع.
تتع َّذر علينا ،تنفلت ،ونبقى وكأننا إزاء حلم ،لا هو والثقافة العربية ،تعتاش على مثل هذا التعميم ،بل
التعويم ،وتبني عليه نتائج ،وحقائق ،هي تضليل،
صحو ،ولا هو نوم. ولا صلة لها بالنص ،لا من قريب ،ولا من بعيد.
لم في ال ِّش ْعر وحده ،وفي ثقافتنا وحدها ،نرفض وهذا ما يدخل في الخرافة ،وفي الاعتقاد الفاسد
التجديد ،ونميل إلى الأسلاف نختفي خلفهم ،دون الذي يميل إليه الإنسان بماضيه البعيد ،كما يميل
إلى تفسير الأشياء بهذه الخرافة ،وبهذا الاعتقاد،
أن نقول أعطابهم ،وننتقد ما عندهم ،لنكون نحن، فقط ،لإخفاء جهله ،وينسى ،أو لا يعرف ،لنكون
فهل نحن ِض َّد ما قرأه سقراط في مدخل معبد ِد ْل ِفي
دقيقينن ،كما يقول طاليس «إ َّن النفس ُم َح ِّر َكة
«اعرف نفسك بنفسك» ،أم نحن ِض َّد أن نعرف، للأشياء» ،وهي في ثقافتنا وفي فكرنا العربيين،
ونظن أنَّ ما عرفناه ،يكفي لنكون عرفنا كل شيء؟!