Page 17 - merit 45
P. 17

‫‪15‬‬                ‫إبداع ومبدعون‬

                  ‫رؤى نقدية‬

                                                                                                                        ‫والعلوم والفنون‪ ،‬لا البقاء‬
                                                                                                                        ‫في قشورها‪ ،‬وما يبدو لنا‬

                                                                                                                          ‫سط ًحا‪ ،‬نظ ُّنه عم ًقا‪ ،‬كما‬
                                                                                                                            ‫يحدث لل َّظ ْمآن تما ًما‪.‬‬

                                                                                                                                ‫[‪]2‬‬

                                                                                                                        ‫لم تكن الثقافة العربية‪،‬‬

                                                                                                                        ‫في ماضيها‪ ،‬محكومة‬
                                                                                                                         ‫بالمُ ْس َت ِق ّر‪ ،‬بدليل أ َّن امرأ‬
                                                                                                                        ‫القيس‪ ،‬كان ُم ْح ِد ًثا‪ ،‬ليس‬

                                                                                                                            ‫باعتباره ال َبا ِدئ‪ ،‬بل‬
                                                                                                                        ‫باعتبار من كانوا قبله‬
                                                                                                                          ‫ا ْن َت َك ُسوا‪ ،‬وهو كان‪ ،‬في‬
‫إيتالو كالفينو‬    ‫أحمد شوقي‬                                                                          ‫أبو القاسم الشابي‬  ‫غيابهم حضو ًرا‪ .‬لا كتا َب‬

                                                                                                                            ‫ذ َكر لنا من يكونون‬
                                                                                                                          ‫أسلافه‪ ،‬وكيف كتبوا‪،‬‬
                                                                                                     ‫رغم أ َّن صاحب ال ُق َر ِشي في المجمهرات‪ ،‬أتى برواية‬
‫نفسها بالاكتمال‪ ،‬وأ َّن امرأ القيس هو و َث ُنها الذي‬                                                   ‫اعتبرت آدم هو سلف امرئ القيس‪ ،‬فيما رثى به‬
‫ُتضاهي به القبائل والشعوب‪ ،‬أو أ َّنه الإله الذي‬
‫كان يمشي على الأرض‪َ .‬فما من أحد من ال ُّشعراء‪،‬‬                                                       ‫ابنه‪ ،‬وأ َّن الشيطان‪ ،‬وهو سلف آخر لامرئ القيس‪،‬‬
                                                                                                     ‫بحسب الرواية‪ ،‬مهما كانت ُمتخيَّ َلة‪ ،‬كان تش َّفى في‬
‫مهما كانت قيمته‪ ،‬ممن أتوا بعد امريء القيس‪،‬‬                                                            ‫آدم‪ِ ،‬شع ًرا‪ ،‬ليبدو أ َّن ال ِّش ْعر‪ ،‬منذ أبده‪ ،‬كان نكاية‬
‫وهو نفسه‪« ،‬إلا ودخله ال َخل ُل في شعره ولم يسلم‬                                                       ‫البعض في البعض‪ ،‬وحر ًبا تجري في أرض ُم ْق ِف َرة‬

‫من النَّقدات»‪ ،‬وأ َّن الخلاف‪ ،‬في شأن امرئ القيس‪،‬‬                                                          ‫جرداء‪ ،‬لم تكن المدينة فيها ظهرت بعد‪ ،‬بل إ َّن‬
‫الأ َّول والباديء «لم يزل بين الناس فيه وفي غيره‬
‫أ ُّي كان» [الرسالة الشافية في إعجاز القرآن لعبد‬                                                       ‫امرأ القيس‪ ،‬نف َسه‪ ،‬كان‪ ،‬وهو يقف على الأطلال‪،‬‬
                                                                                                     ‫يستح ُّث الأحجار لتتكلَّم‪ ،‬لتستعيد ماضيها‪ ،‬تحدثنا‬
                            ‫القاهر الجرجاني]‪.‬‬
                                                                                                                        ‫عن الحضور في الغياب‪.‬‬
   ‫ما يعني‪ ،‬أ َّن القديم‪ ،‬أو ال َّسابق‪ ،‬أو حتَّى الأول‬
‫والمبتديء‪ ،‬لا يعني أ َّنه المُ ْس َت ْح ِكم‪ ،‬من يتب ُعه غيره‪،‬‬                                          ‫ما يعني‪ ،‬مهما تكن الذرائع‪ ،‬أ َّن ال ِّش ْعر‪ ،‬بدأ حداثة‬
                                                                                                     ‫وتحديثًا‪ ،‬وأن امرأ القيس‪ ،‬ليس سل ًفا بمعنى التَّا ِبع‪،‬‬
 ‫أو أن غيره الأعمى يسير خلف عصاه‪ ،‬يمكن أن‬                                                            ‫بل هو سلف‪ ،‬بمعنى المُ ْب َت ِدع‪ ،‬من أتى ببناء جديد‪،‬‬
 ‫أو أرا ٍض‪،‬‬       ‫َيي ُدك ُّولنعأُل ُىف ًق َان ْبوع‪،‬طأروي ًقبا‪،‬ئرأنما ُيٍء‪،‬شيوارلبإالقى أي‪ْ،‬رع ٍلضى‬  ‫وبطريقة أخرى في قول الأشياء‪ ،‬بخطاب ليس هو‬
‫ال َغا ِر ِب‪ ،‬من‬
                                                                                                     ‫خطاب من سبقوه‪ ،‬إما يكون ط َّو َره‪ ،‬أو ابتكره‪ ،‬لكن‬
‫يكون بلغ النَّ ْب َع أو البئ َر‪ ،‬إ َّما أن يتَّبِ َع‪ ،‬أو أن يبتد ْئ‪،‬‬                                  ‫ما وصلنا‪ ،‬كان كام ًل‪ ،‬بمعنى أننا لا ن ْس َت ْش ِعر فيه‬
‫و يبتدع‪ ،‬بل ُك ٌّل حسب طاقته‪ ،‬وقدرته على الخلق‬                                                       ‫أثر الارتعاشات الأولى للكلام‪ ،‬ولا لل ِّشعر والإبداع‪.‬‬

                                 ‫والإضافة والإبداع‪.‬‬

                  ‫[‪]4[ ]3‬‬

‫أ َّول ال ُّن َّقاد‪ ،‬في الثقافة العربية‪ ،‬كانوا ال َّصيا ِر َفة‪ ،‬من‬                                   ‫هذه الثقافة التي بدأت ابتدا ًعا‪ ،‬بدأت «أ َّو ًل»‪ ،‬وكان‬
   ‫ُيـ ْم ِع ُنون في ال َف ْرق بين المُز َّور والسليم‪ ،‬من أتى‬                                        ‫ال ِّش ْعر هو ما ضاهت به الصيرورة‪ ،‬لم تحكم على‬
   12   13   14   15   16   17   18   19   20   21   22