Page 172 - merit 45
P. 172

‫العـدد ‪45‬‬                             ‫‪170‬‬

                               ‫سبتمبر ‪٢٠٢2‬‬                        ‫الدنيء بالاحتجاج الذي‬
                                                                   ‫ينتابني عندما أتعرض‬
 ‫الشاعرة مدمنة على القراءة‬     ‫في تكوين شخصية الشاعرة‬             ‫للتجريح‪ .‬إني أصلي من‬
‫واستفادت كثي ًرا من قراءتها‬    ‫ميسترال‪ ،‬ويركز في ذلك على‬        ‫أجل ألا يؤلمني عدم التفهم‬
 ‫للكتب التي كانت تزخر بها‬                                           ‫وألا يحزنني جفاء من‬
                                  ‫وادي إلكي ثالث «الأودية‬
        ‫هذه المكتبة العظيمة‪.‬‬      ‫العارضة» في الشيلي‪ .‬كما‬                     ‫أعلمهن»(‪.)1‬‬
‫كان لانتحار حبيبها روميليو‬      ‫أن طفولة الشاعرة كانت في‬       ‫لم يغفل الكاتب دور الوالدين‬
‫أوريتا وقع قوي على نفسية‬        ‫قرية «مونتي غراندي» التي‬
                                 ‫توجد وسط حقول الكروم‬             ‫في بناء شخصية الشاعرة‬
      ‫الشاعرة التي آلمها هذا‬        ‫والخوخ في قمة الوادي‪.‬‬         ‫وبروز موهبتها الإبداعية‪.‬‬
    ‫الحادث الجلل‪ .‬كان ذلك‬         ‫وبالتالي‪ ،‬فهذا الانتماء إلى‬    ‫فأبوها خيرونيمو غودوي‬
  ‫في الخامس والعشرين من‬         ‫الوادي وإلى القرية لم تغفل‬         ‫بيبانويبا عرف بطيبوبته‬
    ‫شهر يونيو ‪ .1909‬يعلق‬         ‫الشاعرة ميسترال الإشارة‬           ‫وحبه للفن والشعر‪ .‬كان‬
     ‫الكاتب على قصة الحب‬       ‫إليه في أشعارها‪ .‬تقول مث ًل‪:‬‬       ‫معل ًما متمي ًزا وخلف آثا ًرا‬
   ‫هذه بقوله‪« :‬مرت حينئذ‬                                           ‫طيبة لدى كل من يعرفه‪.‬‬
  ‫خمس سنوات ونيف على‬                 ‫باستثناء واد وقرية‪:‬‬       ‫قرض الشعر وعزف القيثارة‬
‫بداية علاقتها بذلك الشاب‬           ‫الوادي يدعونه «إلكي»‬         ‫وغنى قصائد كتبها ولحنها‪.‬‬
  ‫المستخدم بشركة السكك‬                                           ‫أما أمها‪ ،‬بيترونييا ألكاياغا‬
‫الحديدية‪ ،‬حينما اضطرتها‬                ‫و»مونتي غراندي»‬            ‫روخاس فتنتمي إلى عائلة‬
 ‫ظروف عمل الزوج أختها‬          ‫القرية التي صرت مل ًكا لها‪.‬‬      ‫عريقة من المعمرين الإسبان‬
 ‫إيميليا للانتقال إلى منطقة‬    ‫بعدما كانت تكتب نصوصها‬            ‫لكن الظروف عرضت هذه‬
‫«إلموي» ‪ ،El Molle‬الواقعة‬      ‫الإبداعية وتحتفظ بها‪ ،‬انتقلت‬
 ‫بين مدينتي كوكيمبو ولا‬        ‫فيما بعد إلى مرحلة النشر في‬          ‫العائلة إلى الفقر‪ .‬بسبب‬
    ‫سيرينا‪ ،‬والتي شهدت‬                                          ‫ظروف الفقر‪ ،‬اضطرت هذه‬
 ‫ميلاد علاقتهما‪ .‬ويبدو أن‬        ‫الجرائد والصحف المحلية‪.‬‬        ‫الأم إلى تعلم فنون الخياطة‬
   ‫تلك العلاقة كانت تنحو‬             ‫بعد حصولها على عمل‬
 ‫شي ًئا فشي ًئا نحو القطيعة‬                                        ‫والتطريز بالإبرة لكسب‬
     ‫عندما وقعت المأساة‪.‬‬        ‫كمعلمة مساعدة في مدرسة‬         ‫قوتها وقوت أسرتها‪ .‬ومثلها‬
    ‫فلوسيلا ألكاياغا كانت‬          ‫لاكومبانيا باحا أصبحت‬       ‫مثل والد الشاعرة ميسترال‪،‬‬
     ‫قد أوشكت على إكمال‬             ‫تزاوج بين مهنتها وبين‬
   ‫العقد الثاني من عمرها‪،‬‬         ‫كتابة قصائدها الشعرية‪.‬‬         ‫تميزت هذه الأم بطيبوبتها‬
 ‫وكانت شخصيتها تنضج‬                                                  ‫ومساعدتها لكل الناس‬
    ‫باضطراد‪ .‬أما روميليو‬        ‫وأصبحت قصائدها تستأثر‬                   ‫بسخاء لا نظير له‪.‬‬
‫أوريتا‪ ،‬ورغم تجاوزه سن‬         ‫باهتمام القراء الذين أصبحوا‬         ‫أورد الكاتب إدريس ولد‬
  ‫السابع والعشرين‪ ،‬فكان‬         ‫يقومون بزيارتها في منزلها‬
‫يعيش قل ًقا وجود ًّيا فظي ًعا‬                                     ‫الحاج كذلك تأثر الشاعرة‬
   ‫أججته ضائقة مالية مر‬          ‫للتعرف عليها عن قرب‪ .‬في‬        ‫ميسترال بشخصيات أخرى‬
  ‫بها في آخر أيامه‪ ،‬وكانت‬       ‫هذا السياق‪ ،‬يتحدث الكاتب‬         ‫مثل جدتها التي نهلت منها‬
     ‫من دعاوي إقدامه على‬
 ‫الانتحار‪ .‬في تلك الظروف‬           ‫عن دور السيد بيرناردو‬           ‫مقومات الثقافة العبرانية‬
‫كان من الصعب أن يحصل‬                ‫أوصاندون‪ ،‬وهو مثقف‬            ‫وكذا من أختها التي كانت‬
   ‫التفاهم والانسجام بين‬         ‫كبير على حد تعبير الكاتب‪،‬‬        ‫قدوتها في التفاني ونكران‬

                                      ‫وصاحب مكتبة مهمة‬                              ‫الذات‪.‬‬
                                    ‫وزاخرة بالكتب القيمة‪،‬‬      ‫من جهة أخرى‪ ،‬يشير الكاتب‬
                                     ‫والذي اكتشف موهبة‬
                               ‫الشاعرة ميسترال وساعدها‬           ‫في مؤلفه إلى أهمية الجذور‬
                                   ‫على الانتشار بقوة خارج‬
                                   ‫محيطها الجغرافي‪ .‬كانت‬
   167   168   169   170   171   172   173   174   175   176   177