Page 269 - merit 45
P. 269

‫‪267‬‬          ‫ثقافات وفنون‬

             ‫كتب‬

‫إيمان مرسال‬  ‫يوسف إدريس‬                                    ‫أمل دنقل‬             ‫التنبؤ فنيًّا ليس ضر ًبا للودع‪،‬‬
                                                                                ‫ولا قراءة للغيب‪ .‬إنما هو بناء‬
  ‫غاض‪ .‬هو أكبر من كونه مجرى‬              ‫صغي ًرا فيها من خلال حوارات‬           ‫جمالي محسوس على تكرارات‬
  ‫مائي ُشيدت على ضفتيه الحياة‪،‬‬              ‫بسيطة‪ ،‬أو كلمة وسط جملة‬          ‫غير محسوسة لا يلتقطها سوى‬
   ‫والقاص يدرك ذلك في «أبجدية‬                                                ‫كاتب يلاحظ بدقة كل التفاصيل‪،‬‬
  ‫أخرى للماء» القصة التي تحمل‬           ‫سردية فصيحة؛ رغبة في إضفاء‬            ‫ويعيد ترتيبها‪ ،‬والنظر إليها من‬
  ‫المجموعة عنوانها‪ ،‬ومغزاها‪ ،‬إنه‬         ‫الحيوية على الكتابة مع حضور‬          ‫زاوية مبتكرة‪ ،‬حتى لتشعر بعد‬
                                        ‫لافت لضمير المتكلم في القصص‬           ‫قراءتها بالمفاجأة‪ ،‬لقد كنت تمر‬
   ‫يستثمر ذلك ال ُبعد ُمعي ًدا للنهر‬                                           ‫بها كل يوم‪ ،‬لكنك لم ترها أب ًدا‬
  ‫دوره التاريخي الرمزي كشريك‬                ‫بصورته المباشرة من خلال‬           ‫بهذه الطريقة من قبل مثل قصة‬
‫أساسي في حياة وموت المصريين‪،‬‬          ‫الراوي الفني‪ ،‬أو في صورته الثانية‬      ‫«متطوع» التي ُبنيت على افتراض‬
  ‫وكحكم على الأحداث وتناقضات‬                                                    ‫معرفتنا بالوقت الدقيق حيث‬
‫الناس والزمن‪ .‬ابتلع النهر تليفون‬         ‫من خلال ضمير المخاطب الذي‬           ‫تنتهي حياة شخص ما‪ ،‬لكن هذا‬
  ‫الراوي المحمول بعد أن طار من‬        ‫يشير إلى انقسام الذات‪ ،‬وتراوحها‬        ‫الإحساس الرهيف ُيدخل الراوي‬
   ‫يديه فجأة‪ ،‬ثم راح يبعثهم مرة‬        ‫في الحكم؛ لرصد المعاني من زوايا‬      ‫في مشكلات مع الآخرين‪ ،‬لأنهم لا‬
                                       ‫متنوعة والخروج من أسر الزاوية‬       ‫يصدقون بوجود هذه الحاسة لدى‬
      ‫أخرى إلى سطحه من مجرد‬           ‫الداخلية النفسية‪ .‬ثمة حرص أي ًضا‬       ‫أحد من البشر‪ .‬ربما لهذا السبب‬
     ‫أرقامهم المسجلة‪ ،‬وقد أخذوا‬        ‫على بناء المشهد القصصي بصر ًّيا‬     ‫كانت القصة تقبل مساحات سردية‬
 ‫يقاومون من أجل النجاة‪ .‬في هذه‬          ‫بالاهتمام بجمع التفاصيل الدالة‪،‬‬          ‫أكبر من الشكل الموجز الذى‬
 ‫القصة محاكمة رمزية لأشخاص‬            ‫لإضفاء ال ُبعد الواقعي على قصصه‬       ‫صيغت به‪ ،‬تلك المساحات الجديدة‬
     ‫مؤثرين في حياته‪ ،‬أغرق الماء‬                                            ‫كانت ستخلق لها منطقها الجمالي‬
  ‫من عاشوا لأنفسهم فقط‪ ،‬وأنقذ‬            ‫حتى وإن كانت فكرتها خيالية‪.‬‬            ‫المتفرد في معالجة موضوعها‪.‬‬
  ‫الباحثين مثله عن مغزى الحياة‪،‬‬                                                  ‫قصة تح ِّول فيها أي ًضا أمنية‬
    ‫أو المظلومين في واقع لا يرأف‬               ‫***‬                               ‫بالتنبؤ بمصير وردة أهداها‬
                                                                               ‫لحبيبته ولو بالتحول إلى كائن‬
                      ‫بالأبرياء‬        ‫وأخي ًرا‪ ..‬النهر في ذاكرة المصريين‬     ‫آخر‪ .‬نقرأ في ص‪« :63‬وجدتني‬
                                       ‫القدماء كائن حي‪ ،‬روحه مقدسة‪.‬‬            ‫أرتفع عن الأرض‪ ،‬أعلو وأهبط‬
                                        ‫َيع ُّم الخير إذا فاض‪ ،‬والبؤس إذا‬
                                                                                 ‫وأعلو‪ ..‬لم أهبط‪ ،‬تحولت إلى‬
                                                                              ‫نحلة‪ ،‬طارت بالطنين المُلح وراء‬
                                                                            ‫محبوبتي الجميلة‪ ،‬دون أن ُتحس‬
                                                                            ‫بأي شيء؛ سكنت قلب الوردة بلا‬
                                                                             ‫رفة جناح واحدة»‪ .‬ويبدو التأمل‬
                                                                             ‫والتقاط زاوية جديدة للتعبير عن‬
                                                                               ‫رؤية حياته ومصير من حوله‬
                                                                               ‫في الوظيفة‪ ،‬والشارع في قصة‬

                                                                                        ‫«أشكالي الهندسية»‪.‬‬
                                                                             ‫اللغة السردية لدي القاص مولعة‬

                                                                               ‫بالمجاز‪ ،‬والتصوير‪ ،‬والتركيب‬
                                                                            ‫الإيقاعي‪ .‬كما يعطى للعامية دو ًرا‬
   264   265   266   267   268   269   270   271   272   273   274