Page 265 - merit 45
P. 265

‫‪263‬‬  ‫ثقافات وفنون‬

     ‫كتب‬

     ‫الشخصيات من تلك الدوائر‬             ‫إلى الآني‪ ،‬ما يحدث في ميدان‬     ‫فأغدق الأخير على الأسرة الذهب‪،‬‬
  ‫المغلقة‪ ،‬رغم محاولتها المستميتة‬     ‫التحرير‪ ،‬ووسط البلد أثناء ثورة‬       ‫مما أفرز رحلات الهلاك للبحث‬
   ‫لتغيير هذا الواقع دون جدوى‪.‬‬                                           ‫عن الكنز‪ ،‬وجفاف البئر‪ ،‬وتكوين‬
 ‫لعب الترميز الدلالي دو ًرا لا ينكر‬                  ‫‪ 25‬يناير ‪.2011‬‬        ‫العشش‪ ،‬ثم ظهور العشوائيات‬
  ‫في التمهيد لمصائر الشخصيات‪،‬‬        ‫جاءت رواية «علي جبل يشكر» في‬             ‫بجوار البيت الكبير‪ ،‬الحكاية‬
‫ككسر فنجان راقية عندما حاولت‬         ‫ثمانية عشر فص ًل‪ ،‬حملت عناوين‬          ‫تنتقل من المعاصر إلى الماضي‪،‬‬
                                                                             ‫ومن الواقعي إلى الأسطوري‬
    ‫شهد استبصار ما فيه‪ ،‬ندرك‬             ‫تدل على الحالات النفسية‪ ،‬أو‬                         ‫والغرائبي‪.‬‬
    ‫في نهاية الرواية أنها ستكون‬      ‫عناوين لأماكن تاريخية‪ ،‬أو أسماء‬      ‫يتنقل السرد كفراشة بين فروع‬
 ‫غريمتها‪ ،‬فياسر يغرم بهذه المرأة‬      ‫شخصيات‪ ،‬تتحدث عن ماضيها‪،‬‬            ‫وأغصان حكايات لكل من راجية‬
 ‫الممسوسة‪ ،‬ويترك زوجته راقية‪،‬‬        ‫وعلاقتها براجية أو راقية كياسر‬         ‫وراقية‪ ،‬وشهد‪ ،‬والأم‪ ،‬والعمة‪،‬‬
     ‫وراجية تحلم حل ًما كابوسيًّا‬                                        ‫والجن‪ ،‬وناجي وياسر‪ ،‬وسليمة‪،‬‬
  ‫بشأن خالتها‪ ،‬وفي الفصل التالي‬         ‫وصبري وناجي‪ ،‬وقبلهم الجد‬             ‫وصبري‪ ،‬ولطيفة‪ ،‬وأبو زياد‬
 ‫نعرف أن راقية تعرضت لحادث‬           ‫الأكبر‪ ،‬هذه الشخصيات الذكورية‬            ‫القادمين من الماضي‪ ،‬لينتقل‬
 ‫مميت‪ ،‬تنجو منه بأعجوبة‪ ،‬لكنها‬        ‫التي تعاني أزمات نفسية‪ ،‬حاول‬
   ‫تفقد زوجها‪ ،‬بل وعندما تلتقي‬        ‫السرد معالجتها‪ ،‬وتحليل بواعث‬
 ‫راجية بأبي زياد القادم من عالم‬
‫الماضي‪ ،‬يشد انتباهها رقته ولطفه‬          ‫أزمتها‪ ،‬إلا أن الفشل كان من‬
                                     ‫نصيب هؤلاء الرجال‪ ،‬الأمر الذي‬
        ‫وتقارن بينه وبين ناجي‪.‬‬        ‫أدى إلى تأثيرات مدمرة على حياة‬
      ‫تفيد رباب كساب من كتابة‬
      ‫التاريخ‪ ،‬ومصارد ثبتتها في‬                 ‫راجية وخالتها راقية‪.‬‬
   ‫نهاية الرواية‪ ،‬وهي محاضرات‬           ‫لا يوجد تصادم بين ما يروى‪،‬‬
 ‫يوسف أحمد عن جامع أحمد بن‬
‫طولون‪ ،‬وأساطير بيت الكريتلية‪-‬‬             ‫ولكن ثمة تكامل‪ ،‬وكشف ما‬
  ‫جاير أندرسون ت‪ :‬تامر الليثى‪،‬‬          ‫غمض‪ ،‬أو ما أخفته الشخصية‬
     ‫بالإضافة إلى مقالات تناولت‬        ‫عن الشخصيات الأخرى‪ ،‬أو عن‬
‫تاريخ بيت الكريتلية وجامع أحمد‬        ‫الشخصية ذاتها‪ ،‬فراجية تتساءل‬
  ‫بن طولون‪ ،‬رغم ذلك‪ ،‬فلم تهتم‬          ‫من هي‪« ،‬مرات كثيرة تأملتنى‪،‬‬
‫الكاتبة بوصف المكان إلا ما أفادها‬        ‫من أكون؟»‪ ،‬يجيب السرد عن‬
    ‫دراميًّا‪ ،‬لم تهتم بملامح المكان‬  ‫السؤال في الفصول التالية‪ ،‬عندما‬
    ‫بقدر ما همها أن تنضح روح‬          ‫تلتقي راجية بلطفية التي عاشت‬
‫المكان على الأحداث والشخصيات‪،‬‬
     ‫فلم تذكر التفاصيل المعمارية‬           ‫في البيت مند قرون‪ ،‬وياسر‬
     ‫الدقيقة قدر اهتمامها بعلاقة‬          ‫الطبيب الماهر‪ ،‬الشهير‪ ،‬المعتد‬
     ‫المكان ‪-‬جغرافيًّا‪ -‬بالتاريخي‬     ‫بنفسه‪ ،‬يكشف عن أسراره بداية‬
‫وبالآني‪ ،‬حتى وإن جاء في صورة‬           ‫من نشأته الفقيرة‪ ،‬وزواجه من‬
‫مزحة ومفارقة تلقيها في وجه أبي‬        ‫امرأة ثرية‪ ،‬تعلمه الحياة‪ ،‬وتؤمن‬
‫زياد عندما أظهر إعجابه بالملابس‬          ‫له مست ًوى اجتماعيًّا‪ ،‬يتيح له‬
                                           ‫السفر والمعرفة فيتعلق بها‪،‬‬
            ‫التى ترتديها راجية‪.‬‬          ‫إلا أنها رحلت عنه تاركة ند ًبا‬
         ‫يمثل الجني الذي يطارد‬       ‫محفورة في نفسه لم يبح بها‪ ،‬ولم‬

                                            ‫تنجح راجية في إصلاحها‪.‬‬
                                     ‫تشوهت الشخصيات‪ ،‬ولم تصلح‬

                                         ‫الثورة ما عاناه الجميع‪ ،‬ظلت‬
                                       ‫الصراعات موجودة‪ ،‬ولم تخرج‬
   260   261   262   263   264   265   266   267   268   269   270