Page 268 - merit 45
P. 268

‫النظر إليه بوعي اللحظة الراهنة‪،‬‬                             ‫العـدد ‪45‬‬                           ‫‪266‬‬
  ‫لمعرفة أين كنا وقتها‪ ،‬وأين نحن‬
  ‫الآن؟ ماذا كسبنا‪ ،‬وماذا خسرنا‬                                             ‫سبتمبر ‪٢٠٢2‬‬      ‫ذائقته الأدبية‪ ،‬وإلى بحثه عمن‬
  ‫طوال رحلة بلا خريطة وبوصلة‬                                                                  ‫يشبهونه والنظر إليهم كمرايا‬
    ‫ثابتتين؟ هكذا نحس الأسى في‬                    ‫حسام المقدم‬                             ‫تعكس تطلعاته‪ ،‬فحين أراد منحنا‬
 ‫قصة «مروان التاريخي»‪ ،‬فالرجل‬                                                              ‫مفتا ًحا لذاته قدم لنا ن ًّصا لآخر‪،‬‬
 ‫«مروان» لا يعرف صديقه الراوي‬                ‫المعارضة شكل الاستدعاء‬                        ‫وهي دلالة ستتحقق في نصوص‬
   ‫الجالس بجانبه في سيارة تقطع‬        ‫لل ُمعلِّ ِمين الذين يستحقون التحية‪:‬‬
 ‫مسافة من بلد ريفي إلى آخر رغم‬                                                                 ‫قصصية متنوعة المضامين‪.‬‬
 ‫أنهما قضيا طفولة مدرسية م ًعا لا‬        ‫«المتنبي»‪ ،‬و»يوسف إدريس»‪،‬‬                       ‫القصة الأولى في الصفحة الخامسة‬
  ‫ُتنسى‪ .‬ربما تكون السيارة زمنًا‪،‬‬    ‫و»بليغ حمدي»‪ ،‬و»أمل دنقل»‪ .‬كل‬
   ‫والطريق رحلة‪ ،‬والنكران درس‬        ‫واحد يمنح خلاصة تجاربه الأدبية‬                              ‫عنوانها «وصايا»‪ ،‬نقرأ في‬
‫الحياة ووجعها لمن يتكئون على لغة‬                                                          ‫استهلالها‪« :‬واصل‪ ،‬لا تهتم و ِسر‬
                                         ‫والفنية إلى الكاتب‪ ،‬وهو النص‬
                   ‫القلب وحدها‪.‬‬      ‫المكتوب بوعي المستيقظ الذي يفرز‬                        ‫في قراءتك‪ .‬لا تنظر نحو أحدهم‬
 ‫ذاكرة الطفولة هي الأكثر حضو ًرا‬                                                              ‫وام ِش بعينيك في ال ُّسطور‪.»..‬‬
 ‫في المجموعة‪ ،‬طفولة اللاعبين لعبة‬     ‫من الرحيق عس ًل‪ ،‬لا وعي النائم‬                         ‫تمضي القصة هكذا بين الأمر‬
                                        ‫الحالم الذى يرى العالم مختل ًطا‬                        ‫والنهي‪ .‬كأنها التمهيد الثاني‬
     ‫الموت في قصة «رؤيا الحبل»‪،‬‬          ‫مف َّك ًكا قوامه الرمز والإشارة‪.‬‬
 ‫وطفولة الحفيد الذي يرصد علاقة‬                                                            ‫لقارئ سيدخل إلى العالم الحقيقي‬
                                              ‫***‬                                          ‫للكاتب‪ .‬ربما هي وصايا يوجهها‬
     ‫الجد بأعمامه في «ركن يصلح‬                                                             ‫القاص إلى نفسه أي ًضا‪ ،‬ليواصل‬
  ‫لوصف المشهد»‪ ،‬وطفولة ساكنة‬            ‫الذاكرة لدى «المقدم» ُتمثِّل أر ًقا‬              ‫السير في الإبداع مهما تعثر الطريق‬
   ‫لا يرغب صاحبها في نزعها من‬          ‫لا ُيغمض عينيه‪ .‬هذا أم ٌر طبيعي‬
‫نفسه في «حكاية ليست جديدة عن‬                                                                 ‫بالإحباطات والمشاغل‪ .‬ول َم لا؟‬
  ‫الحذاء»‪ .‬إن تكرارها بهذا التنوع‪،‬‬        ‫للمتتبع لقصصه السابقة على‬                        ‫ألسنا نبحث في قصص المجموعة‬
                                          ‫المجموعة‪ ،‬أو روايته «سباعية‬
     ‫وسرد تفاصيلها الدقيقة دليل‬          ‫العابر»‪ ،‬فالكتابة بعصب القلب‬                        ‫عن أبجدية أخرى لكل شيء؟!‬
   ‫على تمثلها‪ ،‬والرغبة الشديدة في‬        ‫لا ُتفلت وج ًها كانت له حكاية‪،‬‬
 ‫العودة إليها أي ًضا‪ ،‬واعتبارها بئر‬     ‫أو ذكرى‪ .‬غير أنها لا ُتفرج عن‬                             ‫***‬
‫جمال وألغاز لا ينضب ماؤها‪ ،‬فهي‬           ‫مكنوناتها لمجرد حبك الحكاية‬
   ‫التلقائية البِكر‪ ،‬والشيطنة الخام‬      ‫واختبار الإحساس بعد مرور‬                         ‫المعارضة الأدبية أن ُيعجب شاعر‬
   ‫التي لا تلفت انتباه الكبار الذين‬       ‫الزمن‪ ،‬لكنها تفعل ذلك بوعي‬                        ‫أو كاتب بقصيدة أو قصة يضع‬
    ‫نسوها منذ غاصت أقدامهم في‬            ‫المشتبك مع الحكاية نفسها أو‬                     ‫إيقاعها أمامه‪ ،‬ليكتب ن ًّصا يحاذيها‪،‬‬

      ‫وحل الواقع اليومي المعيش‪.‬‬            ‫الذكرى‪ .‬هنا يصبح التاريخ‬                           ‫غير أنه يبثها معانيه الجديدة‪.‬‬
                                       ‫الذاتي عرضة للمحاكمة‪ ،‬وإعادة‬                          ‫المعارضة دليل إعجاب بالكاتب‬
         ‫***‬                                                                               ‫أو الفنان الذى ُي َعارض‪ ،‬وإشارة‬
                                                                                             ‫التحية والتقدير العابرة للزمن‪.‬‬
    ‫التأمل إحدى سمات المجموعة‪،‬‬                                                           ‫هناك اتصا ٌل غير مرئي بين أجيال‬
         ‫بل يصل الأمر أحيا ًنا إلى‬                                                          ‫الكتاب‪ ،‬فاللاحق لم يكن ليوجد‬
                                                                                            ‫لولا السابق عليه‪ .‬قصة «المرتبة‬
     ‫الميل إلى التنبؤ‪ ،‬وهو الظاهرة‬                                                          ‫المحدبة» في المجموعة تصنع هذا‬
   ‫الحياتية المبنية على تأمل مرهف‬                                                           ‫الاتصال بقصة يوسف إدريس‬
    ‫للظواهر‪ ،‬وقياسها‪ ،‬ومقارنتها‪.‬‬                                                           ‫«المرتبة المقعرة»‪ ،‬وهى ُمهداة إليه‬
                                                                                             ‫في ذكراه‪ ،‬حيث تحولت وسيلة‬
                                                                                           ‫الهرب والعزلة إلى لح ٍد للنا ِئ َم ْين‪.‬‬

                                                                                               ‫أما في قصة «الحالم» فتأخذ‬
   263   264   265   266   267   268   269   270   271   272   273