Page 260 - merit 45
P. 260

‫العـدد ‪45‬‬                              ‫‪258‬‬

                                    ‫سبتمبر ‪٢٠٢2‬‬

‫ضرورة وطريقة رافقت الإنسان‬              ‫ملابس الإله تعود للأسرة ‪18‬‬             ‫والأسلوب‪ ،‬بل كذلك من خلال‬
    ‫الذي يعيد حياكة المتآكل من‬         ‫حيكت بأسلوب الترقيع في فن‬                ‫ما تطرحه من فرضيات المراد‬
                                    ‫النسيج (الباتشورك)‪ ،‬وفى لوحات‬            ‫من ورائها تطويع المادة للتكوين‪،‬‬
 ‫ملابسه فير ِّقع ما يقبل الخياطة‬     ‫المومياوات المصرية القبطية التي‬         ‫ومن هنا قد يكون ميدان النسيج‬
    ‫ليبعث فيه حياة جديدة تطيل‬       ‫اكتشفت عام ‪ .1880‬وهو أسلوب‬                ‫نقطة ضوء نسلِّطها على تجارب‬
   ‫وظيفته‪ ،‬فبدت تلك المقطوعات‬            ‫حتَّمته الضرورة فأنتج نم ًطا‬          ‫قديمة تجددت فأنتجت فلسفة‬
   ‫المصنوعة من الأقمشة دخيلة‬        ‫حياتيًّا أصبح في زمننا إبدا ًعا فنيًّا‬
                                    ‫له حضور وبقوة في عالم الفنون‪.‬‬                  ‫بديلة كان منطلقها الحاجة‬
 ‫عن أصل الملبس‪ ،‬فتظهر اختلا ًفا‬                                             ‫والضرورة فصيَّرها الفنان نتا ًجا‬
  ‫قد يعطي انطبا ًعا أوليًّا بوجود‬           ‫نعم‪ ..‬هي ضرورة رافقت‬
  ‫نشاز‪ ،‬لكنه سرعان ما يتراجع‬        ‫الإنسان القديم في مختلف حقباته‬               ‫إنسانيًّا فنيًّا عالميًّا يجمع بين‬
                                                                                 ‫الحرفة والصناعة والتشكيل‬
‫لترى تركيبة مختلفة لخليط لوني‬          ‫التاريخية ولم ترتبط بحضارة‬           ‫الفني الإبداعي والتصميم المتَّصل‬
    ‫وشكلي متجان ًسا مع مساحة‬        ‫بعينها‪ ،‬ولا توجد شعوب انفردت‬                 ‫بعالم ف ِّن التأثيث والتوضيب‬
                       ‫تواجده‪.‬‬        ‫بها فباتت خصيصة تعود إليها‪،‬‬             ‫والهندسة الداخلية‪ .‬وهو مبحث‬
                                    ‫ولا هي من ضمن تقاليد عربية أو‬
‫ينفصل الترقيع من واقع الحاجة‬        ‫غربية‪ ،‬بل هي لكل أجناس الأرض‬                   ‫يطرح السؤال حول كيفية‬
     ‫والغاية والضرورة ليتط َّور‬                                             ‫استبدال المادة لوظيفتها الاعتيادية‬
                                          ‫التي عايشت فترات ش ٍّح في‬
  ‫فيخرج من بعده المادي المتَّصل‬      ‫مظاهر التح ُّضر والتط ُّور‪ ،‬وكذلك‬        ‫المألوفة لتنسجم مع فضاء غير‬
  ‫بالقماش والمنسوجات‪ ،‬ليرتبط‬                                                   ‫فضائها الأول من خلال إنشاء‬
 ‫بالنسيج المجتمعي المتن ِّوع‪ ،‬وتلك‬      ‫ندرة المنتوج وتقلُّص الاهتمام‬
                                        ‫بالملابس والمنسوجات‪ ،‬مقابل‬                ‫تشكيلي مخصوص‪ .‬وكيف‬
    ‫التلوينات البشرية المتناقضة‬       ‫تنامي الاهتمام بمتطلبات الحياة‬        ‫تصبح الضرورة مطية تفتح سبل‬
   ‫والمنصهرة رغم تباينها (مثال‬          ‫المتصلة بالمؤنة والمسكنز‪ .‬هي‬
‫المجتمع الأمريكي)‪ ،‬ثم تنتهي إلى‬                                                 ‫تغييرها لتتج َّل لمسة إبداعية؟‬
   ‫آلية وتقنية تشكيلية تأخذ من‬                                                   ‫كما سبق الذكر يع ُّد التاريخ‬
                                                                               ‫وعا ًء منه ننهل الحدث والفكرة‬
‫لباس توت عنخ أمون‬                                                           ‫لنحيلها إلى مسألة نتتبَّع إمكاناتها‬
                                                                                ‫وننشغل بها حتى نخرج منها‬

                                                                                   ‫مكامن الأفكار النابضة في‬
                                                                                  ‫جوهرها‪ ،‬واستنا ًدا إلى ذلك‬
                                                                                ‫وبالعودة إلى النبش في تاريخ‬
                                                                                   ‫النسيج على امتداد قرون‪،‬‬
                                                                               ‫وتق ِّصي تط ُّوره‪ ،‬وتج ِّل بعض‬
                                                                                ‫التعريفات التقنية ومصدرها‪،‬‬
                                                                            ‫نجد خي ًطا رفي ًعا في منتهى الدقة‪،‬‬
                                                                             ‫فنلمس جذور فكرة معاصرة في‬
                                                                              ‫حركة اقتضتها الضرورة‪ ،‬تعود‬
                                                                             ‫إلى فترة الإله المصري الفرعوني‬
                                                                                ‫توت عنخ أمون‪ ،‬حيث حيكت‬
                                                                              ‫ملابس تخ ُّصه بنسيج يصطلح‬
                                                                             ‫على تسميته «بالباتشورك»‪ ،‬وهو‬
                                                                             ‫أسلوب فني يرتبط بلفظ الترقيع‪.‬‬
                                                                            ‫ففي المتحف المصري تحفظ قطعة‬
   255   256   257   258   259   260   261   262   263   264   265