Page 91 - merit 45
P. 91

‫‪89‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫قصــة‬

                              ‫حجاج أدول‬

                   ‫كارثة اللباس‬

   ‫ونضحك ضحكة إغاظة لهم‪ ،‬لكن لو أحدهم أو‬              ‫ليس الموضوع فيه قلة حياء‪-‬إطلا ًق‪ -‬هي حكاية‬
 ‫إحداهن نظر إلينا مبتس ًما‪ ،‬هنا علينا الابتسام لهم‬   ‫حصلت ونحن أطفال أكبرنا في الثانية عشرة من‬
 ‫في احترام‪ ،‬وواحد أو أكثر منا‪ ،‬يرفع يده بالتحية‬     ‫عمره‪ ،‬والأصغر في العاشرة‪ .‬ولخطورة مغامراتنا‬
                                                      ‫في الذهاب والعودة من البحر‪ ،‬كنا نطرد من هم‬
   ‫العسكرية مقلدين ما شاهدناه في أفلام الحرب‬
    ‫الأمريكية‪ ،‬فيتحول المبتسم إلى ضاحك سعيد‪.‬‬            ‫أصغر من سن العاشرة‪ ،‬فهم في نظرنا أطفال‪،‬‬
    ‫نصل لجنينة الشلالات‪ .‬رحبة واسعة مبهجة‪.‬‬            ‫ويجب أن نحافظ عليهم من غدر البحر‪ ،‬وضرب‬
 ‫امتداد عشب ومتناثرات أزهار وتجمعات أشجار‬
   ‫متنوعة‪ ،‬وكلها تسبح في ُخضرة يانعة‪ .‬شجرة‬                 ‫الأمهات لنا إن اكتشفن مغامرتنا المتهورة‪.‬‬
   ‫طرزان‪ .‬شجرة ضخمة تتدلى منها غصون مثل‬                  ‫عصابة أطفال متوسط عددها سبعة وكلنا في‬
  ‫الحبال الغليظة‪ .‬نمسك بالحبال ونتأرجح ونحن‬            ‫جلابيب‪ ،‬فيما عدا المتأنق المرتدي بيجامة مقلمة‬
‫نطلق صرخات تقلد صرخات طرزان‪ .‬طرزان بطل‬                ‫أحمر وأزرق! في أرجلنا قباقيب خشبية مزعجة‪.‬‬
   ‫الأفلام الأمريكية‪ ،‬وهو الرجل الأبيض الشجاع‬        ‫نعيش في حي شعبي سكندري لم تصله الكهرباء‬
    ‫العاري إلا من مئزر يغطي سوأتيه‪ .‬يعيش في‬         ‫ولم تسفلت شوارعه‪ ،‬سكانه من الطبقة التحتانية‪،‬‬
 ‫الأدغال‪ ،‬ويطير ممس ًكا بالأغصان الحبيلة المتدلية‬   ‫أي طبقة تحت خط الفقر‪ .‬في الصباح الباكر نجتمع‬
‫من الأشجار‪ ،‬فيجوب في الغابات بسهولة معجزة‪.‬‬             ‫عند طرف الكوبري الذي يعبر بنا فوق الترعة‪،‬‬
    ‫وطرزان تصاحبه القرود ويتفاهم مع الأسود‬           ‫ليصلنا للمناطق الغربية المدللة حيث يسكن أولاد‬
    ‫ويدافع عن الناس السود! ونحن أي ًضا عصابة‬        ‫الناس‪ .‬أي الطبقة المتوسطة‪ ،‬وبعدهم الطبقة العليا‬
    ‫الأطفال نصفنا سود نوبيون أص ًل من أقصى‬          ‫حيث البكوات والباشوات والخواجات والذي منه‪.‬‬
‫جنوب مصر‪ ،‬والنص الثاني ما بين قمحي وأبيض‬                ‫نخترق شوارع حي أولاد الناس ونحن نزعق‬
                                                      ‫بأصواتنا المسرسعة متعمدين‪ ،‬ونضرب بأرجلنا‬
                        ‫أتوا من الصعيد والدلتا‪.‬‬       ‫على بلاط الأرصفة وعلى أسفلت الشوارع‪ ،‬لنزيد‬
    ‫ولأننا في مهمة بحرية شيقة‪ ،‬سرعان ما نترك‬          ‫الإزعاج على السكان المتعالين علينا‪ .‬الكثير منهم‬
    ‫الشجرة ونعبر شارع أبو قير لنصل للنصف‬               ‫متجهون لأعمالهم في ملابسهم الأنيقة الزاهية‪،‬‬
  ‫الثاني من الجنينة‪ .‬تلال خضراء يانعة سنشاهد‬             ‫فينظرون إلينا في تأفف وضيق‪ ،‬فنسعد بذلك‬
   86   87   88   89   90   91   92   93   94   95   96