Page 92 - merit 45
P. 92

‫العـدد ‪45‬‬   ‫‪90‬‬

                                                     ‫سبتمبر ‪٢٠٢2‬‬

   ‫الأمم لتهبهم الخيام البيضاء ذات الشكل الواحد‪.‬‬         ‫مثلها لاح ًقا في فيلم «صوت الموسيقى» أعلى تل‬
    ‫نحن أطفال بدون عائلات‪ .‬نقترب من أي خيمة‬           ‫أخضر منها‪ ،‬يتربع عليها كازينو الشجرة الشهير‪.‬‬
                                                       ‫فيه يتقاطر العشاق لي ًل من المراهقين والمراهقات‪،‬‬
 ‫ونقول لأكبر سيدة سنًّا‪ ،‬إننا نريد أن نستحم‪ ،‬فهل‬
‫نترك ملابسنا جواركم حتى لا ُتسرق؟ توافق طب ًعا‪.‬‬         ‫ليدغدغوا بعضهم بالكلام الرومانسي‪ .‬وسيأتي‬
                                                       ‫يوم نجلس فيه نحن أي ًضا‪ ،‬لكن كل واحد لوحده‪،‬‬
   ‫نخلع جلابيبنا ثم الفانلة الداخلية فيبقى اللباس‪،‬‬    ‫طرفنا النسائي لا يخرج عن فتاتين بالذات‪ ،‬فتاتان‬
 ‫والمتأنق يخلع بيجامته‪ .‬نحن مثلنا مثل الرجال هنا‬
  ‫وأطفالهم‪ ،‬لباس البر عندنا هو لباس البحر‪ .‬وهذه‬            ‫تتساهلان معنا وت َّدعيان أنهما تصدقان كلام‬
                                                         ‫الغرام الساذج منا‪ ،‬لكنهما حقيقة‪ ،‬تحبان المناخ‬
                     ‫شيمة رواد شاطئ اللاجئين‪.‬‬         ‫الرومانسي‪ ،‬وتعشقان تناول العصائر على حساب‬
  ‫نجري صارخين لنلقي بأنفسنا في البحر ونلاعب‬
                                                           ‫الفتية المراهقين العبط‪ ،‬أي على حسابنا نحن‪.‬‬
    ‫الموج ويلاعبنا‪ ،‬نتحدى بعضنا في السباحة وفي‬       ‫نترك الجنينة لنعبر حي الطبقة العليا‪ .‬ومهما صحنا‬
     ‫المزاح حتى نتعب‪ .‬نخرج ونستلقي على الرمال‬
  ‫ونتابع السيدات والفتيات وهن يخرجن من البحر‬              ‫ومهما أحدثنا تفجيرات بقباقيبنا على الأرصفة‬
     ‫مبللات‪ ،‬ملابسهن الخفيفة تلتصق بأجسادهن‬          ‫والأسفلت‪ ،‬لا نجد بك أو باشا أو خواجة يطل علينا‬
 ‫فتشفها وتجسد مفاتنها تجسي ًدا‪ ،‬فيكون إغراؤهن‬
      ‫أشد من إغرا ًء من اللاتي سنشاهدهن لاح ًقا‪،‬‬        ‫من نافذة أو شرفة‪ .‬فقط خادم أو خادمة يطلون‬
     ‫وهن يرتدين ألبسة البحر التي تعري أذرعتهن‬           ‫علينا ومنهم من يبتسم راضيًا‪ ،‬ومنهم من ينظر‬
 ‫وسيقانهن! أما السيدات السمينات وكبيرات السن‪،‬‬
      ‫فمنظرهن المبلل يصيبنا بالضيق‪ ،‬فهي بشعة‪.‬‬                ‫إلينا متأف ًفا وكأننا نزعجه أو مث ًل نفضحه!‬
‫لا يهمنا أن الشمس بدأت تقوى‪ .‬ما يهمنا أن الجوع‬           ‫نسائم اليود المنشطة‪ .‬اقتربنا من البحر‪ .‬امتداد‬
 ‫يصرخ داخلنا‪ ،‬لكن‪ ..‬ننسى ونحن نصيح الصيحة‬                ‫البحر أمامنا‪ .‬وجوهنا تفرح فرحة بعيدة المدى‪.‬‬
     ‫الثانية لنهجم على البحر ونثب على الأمواج في‬
    ‫شجاعة منقطعة النظير‪ .‬في المرة الثانية غالبًا ما‬        ‫نعبر طريق الكورنيش ببساطة‪ ،‬فوقتها كانت‬
  ‫نكون قد تعرفنا بأطفال مثلنا أولاد وبنات‪ ،‬فنلعب‬      ‫السيارات العابرة قليلة‪ .‬سور البحر قصير توازيه‬
      ‫سو ًيا ونركز على الفتيات‪ ،‬ليتباهى كل منا في‬
 ‫عودتناـ كيف أن الجميلة فيهن لعبت معه أكثر من‬           ‫أكتافنا‪ ،‬لكن من الناحية الأخرى الشاطئ الرملي‬
   ‫البقية‪ ،‬وكيف تلامس جسده بجسدها‪ .‬فنحن في‬           ‫منخفض‪ .‬نهبط من السلالم في سرعة‪ .‬رمال صفراء‬

                          ‫بداية المراهقة الساخنة‪.‬‬      ‫ذهبية تبدأ من باطن جدار السور‪ .‬سبقتنا عائلات‬
        ‫نرتدي ملابسنا ممسكين بالقباقيب‪ ،‬كل يد‬          ‫وستلحق بنا عائلات من طبقتنا الفقيرة‪ .‬كل عائلة‬
     ‫تمسك فردة قبقاب‪ .‬نسير حفاة عابرين طريق‬            ‫تأتي ومعها حبال وملاءة قديمة أو أكثر‪ .‬يربطون‬
   ‫الكورنيش ونحن نضرب بأقدامنا على الأسفلت‪،‬‬          ‫الملاءات على بروزات السور فتكون خيمة تداري ما‬
 ‫فنبقعه ببصمات باطن أرجلنا الملتصقة بها الرمال‪.‬‬        ‫تحتها‪ .‬يضعون حلل المحشي والطبيخ والصحون‬
     ‫العمارات هنا تليدة راسخة هادئة متكبرة‪ .‬ولا‬      ‫في الداخل‪ .‬يخلعون ملابسهم ويرتدون أزياء البحر‪،‬‬
  ‫يهمها ما نحدثه من إزعاج‪ .‬ما زال الناس أشباهنا‬      ‫ثم يخرجون من الخيمة مستعدين‪ .‬النساء والفتيات‬
   ‫يأتون متدفقين إلى البحر‪ .‬ثم كالعادة يبدأ أحدنا‬    ‫بجلابيب خفيفة وشعرهن مهوش منطلق‪ ،‬والرجال‬
     ‫فنفعل مثله‪ .‬يترك فردتي قبقابه ويخلع لباسه‬
 ‫ويرتديه على رأسه‪ .‬خلع اللباس من تحت الجلباب‬             ‫كل منهم خلع ملابسه فيما عدا اللباس الداخلي‬
    ‫بسيط سريع ولا يكشف العورتين الصغيرتين‪.‬‬              ‫السفلي العادي‪ ،‬أي لا النساء يرتدين ألبسة بحر‬
‫الأنيق نضايقه وهو يخلع سروال البيجامة ولباسه‪،‬‬
‫فتنكشف عورتاه قبلما يعيد ارتداء سروال البيجامة‬                                   ‫حقيقية‪ ،‬ولا الرجال‪.‬‬
                                                             ‫الخيام الشعبية هنا ملونة كل حسب الملاءة‬
                                                        ‫التي كونتها‪ .‬وكل الملاءات قديمة فكل الآتين بها‬
                                                     ‫شعبيون‪ ،‬من ينظر للشاطئ يرى سلسلة من الخيام‬
                                                      ‫الملونة‪ ،‬وكلها ملايات قديمة مرقعة‪ .‬لذا أطلقوا على‬
                                                         ‫هذا الشاطئ اسم شاطئ اللاجئين‪ .‬فع ًل الخيام‬
                                                     ‫تشبه خيام اللاجئين الشرقيين‪ ،‬قبلما تتدخل هيئات‬
   87   88   89   90   91   92   93   94   95   96   97