Page 97 - merit 45
P. 97

‫‪95‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫قصــة‬

                                                      ‫محمود الرحبي‬

                                                   ‫رحلة قصيرة‬

‫في الفندق ترك زوجته في الغرفة وخرج مستعج ًل‪.‬‬             ‫كان يخطو أمامها إلى بوابة الفندق‪ .‬بعد جولة‬
‫إنه وقت «الهابي آور» ‪-‬قال لنفسه‪ -‬عليه أن يظفر‬       ‫نهارية طويلة في «مول مسقط»‪ ،‬رأت الزوجة لأول‬
‫بعلبتي بيرة قبل أن يلتحق بمقهى الشيشة‪« ،‬زميلي‬
‫في العمل ينتظرني» قال لزوجته‪ ،‬عليه أن يلتحق به‬         ‫مرة شيئًا أكبر من الدكان الذي اعتادت عليه في‬
                                                       ‫حارتهم‪ .‬بل سلسلة من دكاكين في مبنى واحد‪،‬‬
                       ‫قبل أن يضجر وينسحب‪.‬‬            ‫الطرقات بينها باردة‪ .‬كانت تتبين كل ذلك بشيء‬
‫قبل أن يخرج من الغرفة قرأ لزوجته دليل الفندق‪،‬‬          ‫من الدهشة الصامتة من خلف برقعها الشفاف‪.‬‬
                                                    ‫إسماعيل أخذ زوجته من صحار إلى مسقط لقضاء‬
    ‫وعلمها كيف تضغط على أزرار الهاتف‪ .‬يمكنها‬            ‫ليلة في فندق‪ .‬ستكون المرة الأولى للفتاة المبيت‬
    ‫أن تطلب وجبة من دليل الطعام‪ ،‬كما أشعل لها‬      ‫خارج بيت أهل زوجها‪ ،‬حيث تزوجا منذ أسبوعين‪،‬‬
   ‫التلفزيون‪ .‬تركها بعد أن طبع قبلة على شفتيها‪.‬‬
  ‫بعد أن كرع علبتي البيرة‪ ،‬هبط إلى المقهى وطلب‬               ‫وحان الوقت لترى عالمًا جدي ًدا ولو لليلة‪.‬‬
‫شيشة معسل تفاحتين‪ .‬طلب مبس ًما جدي ًدا‪ ،‬وتحت‬         ‫تدبر إسماعيل أمر حجز الفندق باتصالات أخذت‬
  ‫تأثير الموسيقى الغربية الصاخبة وعلبتي البيرة‪،‬‬
    ‫صار يرتشف دخان الشيشة بنشوة مضاعفة‪.‬‬                                           ‫منه نصف ساعة‪.‬‬
    ‫أنهت أمل صحن طعامها‪ ،‬ثم أطلت برأسها من‬            ‫حفظ مسقط وشوارعها بعد أن قضى فيها سبع‬
‫الباب‪ .‬تأكدت من خلو الممرات من أي كائن بشري‪.‬‬       ‫سنوات وحي ًدا وهو يعمل في شركة نور الكهربائية‪،‬‬
                                                       ‫وكان المساء ملكه بالكامل‪ ،‬حيث استأجر برفقة‬
     ‫كانت عارية الرأس‪ .‬تركت الصحن الفارغ في‬
    ‫الخارج‪ ،‬ولكن حين رجعت وجدت باب غرفتها‬               ‫ثلاثة شباب قرويين يعيشون في مسقط لنفس‬
                                                   ‫غرض جمع المال ثم الزواج في قراهم‪ .‬أخذ إسماعيل‬
                                         ‫مغل ًقا‪.‬‬  ‫شه ًرا إجازة لكي يتزوج‪ ،‬ولم يتبق لديه الآن سوى‬
 ‫هجم عليها الرعب‪ .‬خافت أن يظهر أحدهم‪ ،‬خافت‬         ‫أسبوع‪ ،‬لذلك فكر أن ترى زوجته مسقط التي يعمل‬
‫أكثر أن يأتي زوجها فجأة ويراها على هذه الهيئة‪.‬‬
                                                     ‫بها‪ ،‬قبل أن يرجعها إلى صحار‪ ،‬ثم بعد ذلك يعود‬
   ‫لم تجد بالقرب منها سوى سلة زبالة‪ .‬وببديهة‬         ‫أدراجه للعمل ويعيش وحي ًدا طيلة خسمة أيام‪ ،‬ثم‬
    ‫الخوف أخرجت الكيس الأسود من تلك السلة‬          ‫في نهاية الأسبوع يؤوب إلى غرفته في صحار‪ ،‬التي‬
  ‫وألبسته رأسها‪ ،‬ثم فرجت بسبابتها أربعة ثقوب‬
                                                                             ‫لم تعد فارغة في غيابه‪.‬‬
                                ‫لترى وتتنفس‪.‬‬         ‫إسماعيل كان يلعب دور المرشد الحر‪ .‬استطاع أن‬
 ‫هرعت فزعة إلى الاستقبال‪ .‬تراجع الموظف بسبب‬
                                                       ‫يجعل زوجته ترى ما يشاء‪ ،‬وتركب ذلك اليوم‬
                   ‫رؤيته الهيئة المخيفة في الليل‪.‬‬     ‫لأول مرة السلم الكهربائي‪ .‬تشبثت بكتفيه وهي‬
 ‫ولكن حين خرج صوتها الناعم المرتجف من وراء‬
                                                          ‫تصعد أمام أنظار الجميع‪ .‬كانوا ينظرون إلى‬
           ‫الكيس الأسود‪ ،‬فطن إلى أن حد ًثا وقع‪.‬‬         ‫إسماعيل لأنه لا يمكنهم أن يروا وجه زوجته‪.‬‬
 ‫حين جاء إسماعيل تصنعت أمل هيئة النائم‪ .‬وجد‬         ‫َت َح َّمل سهام النظرات ومنَّى نفسه إلى أن كل شيء‬
‫عينيها مغمضتين فتسلل بحذر إلى السرير بجانبها‬            ‫سوف ينتهي ويعودان إلى الفندق‪ ،‬ثم سيلتحق‬
                                                         ‫بزميل عمل ضرب معه موع ًدا جد ًّيا كما أوهم‬
                                         ‫ونام‪.‬‬
                    ‫فتحت أمل عينيها في الظلام‪.‬‬                                             ‫زوجته‪.‬‬
   92   93   94   95   96   97   98   99   100   101   102