Page 93 - merit 45
P. 93

‫‪91‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫قصــة‬

 ‫اليمنى داست على اللباس لكنها لم تتركه في مكانه‪،‬‬                               ‫في سرعة وهو يضحك‪.‬‬
 ‫أخذته معها مبتعدة! صرخنا وكانت صرخة شلبي‬                    ‫الألبسة المبللة تحتل أعلى رؤوسنا في إحكام‬
                                                            ‫بالأساتك المطاطية‪ ،‬ثم بقية اللباس تهبط على‬
    ‫أقوى الصرخات‪ .‬جرينا خلف السيارة‪ .‬اللباس‬             ‫أقفيتنا‪ ،‬فنصير مخلوقات أطفال سعداء بمنظرهم‬
    ‫نصفه ملتصق بالعجلة والنصف حر‪ .‬لذا فكلما‬               ‫المضحك الجاذب للأعين‪ .‬وكلما رشقتنا الأعين‬
     ‫دارت العجلة دورة‪ ،‬فهي تقذف اللباس للأمام‬            ‫أكثر وابتسمت الثغور‪ ،‬كلما فرحنا أكثر بأنفسنا‬
 ‫وأسفل فيتألم اللباس مهمه ًما‪ ..‬زطط‪ .‬زطط‪ .‬زطط‪.‬‬
                                                                                        ‫وافتخرنا بها‪.‬‬
       ‫ونحن نجري والألبسة فوق رؤوسنا تتقافز‬             ‫اللباس فوق رأس كل منا خوذة‪ ،‬وكل يد ممسكة‬
                                      ‫صائحين‪:‬‬
                                      ‫‪ -‬اللباس‪.‬‬            ‫بسلاح َفردة قبقاب‪ ،‬نظن أنفسنا جنود حرب‪.‬‬
                                                      ‫ندخل معركة تمثيلية ضد بعضنا في نشاط جسدي‬
                             ‫‪ -‬اللباس يا أسطى‪.‬‬        ‫وخيال فطري‪ .‬تنتهي المعركة فتعود القباقيب تحت‬
                          ‫‪ -‬اللباس يا ابن الكلب‪.‬‬       ‫الأقدام‪ .‬نجري حتى يتخلل الهواء الألبسة المبلولة‪،‬‬
   ‫السائق في مرآته العاكسة الجانبية‪ ،‬أكيد شاهدنا‬
   ‫نجري خلفه‪ ،‬لكنه لم يتوقف‪ .‬ربما يضحك علينا‪،‬‬             ‫فتساعد على تنشيفها سري ًعا‪ .‬فنحن لا نريد أن‬
‫ربما خشى من شيء قد ارتكبه‪ ،‬وربما سمع لعناتنا‬           ‫نعود لعائلاتنا بألبسة مبللة‪ ،‬فتكتشف أمهاتنا أننا‬
     ‫له‪ .‬نحن نجري والسيارة تبتعد فهي الأسرع‪،‬‬           ‫ذهبنا للبحر بمفردنا‪ ،‬فينال كل منا علقة سواء من‬
    ‫إذا باللباس ينفك من العجلة ويبقى متك ِّو ًما على‬
‫نفسه‪ .‬ولما وصلنا له ضحكنا كلنا فيما عدا صاحب‬                       ‫أمه أو من أبيه حين يعود من العمل‪.‬‬
     ‫اللباس‪ ..‬محسن‪ ،‬فالخوف تجسد في ملامحه‪.‬‬                  ‫نصل لجنينة الشلالات‪ .‬نعبر طريق أبي قير‪.‬‬
‫اللباس هيئة مفزعة‪ ،‬لم يعد لبا ًسا فهو شيء ما لزج‬            ‫نكتشف أن الألبسة لم تجف بعد‪ .‬نلعب قلي ًل‬
         ‫ُم َز َّف ْت اكتسى بدرجات من اللون الأسود‪.‬‬    ‫طرازانات سمراء وقمحية مشعلقين على الأغصات‬
     ‫فرقتنا الأيام‪ .‬مرت خمسون عا ًما أو يزيد على‬         ‫الحبلي‪ .‬ثم نطارد بعضنا وما زالت الألبسة فوق‬
    ‫حادثة اللباس‪ ،‬وفجأة نتقابل أنا ومحسن وج ًها‬
 ‫لوجه‪ .‬جلسنا على مقهى وتذكرنا واقعة اللباس‪ .‬أنا‬                                ‫الرؤوس ولم تجف بعد‪.‬‬
‫نسيت ماذا بعد تعجين اللباس بالزفت؟ سألته ماذا‬         ‫في رحلة من تلك الرحلات البحرية‪ .‬جلسنا نستريح‬
   ‫حدث لك في بيتك حين عدت‪ ،‬هل ضربتك أمك أم‬
          ‫ضربك أبوك؟ لكنه نظر لي متعجبًا وقال‪:‬‬         ‫على حافة الطريق‪ .‬السيارات قليلة‪ .‬شلبي صديقنا‬
    ‫‪ -‬تصدق أنني نسيت ماذا كان بعد أن عدت إلى‬                          ‫تفكيره دائ ًما شاطح باطح‪ .‬صاح‪:‬‬
                                                                                       ‫‪ -‬عندي فكرة‪.‬‬
                                        ‫البيت؟!‬
               ‫وهكذا ضاعت نهاية كارثة اللباس‪.‬‬         ‫خلع اللباس من رأسه‪ .‬تقدم للطريق ووضع اللباس‬
                                                                               ‫على الأسفلت‪ .‬شرح لنا‪:‬‬

                                                            ‫‪ -‬تمر عليه سيارة فتضغطه وتجففه سري ًعا‪.‬‬
                                                            ‫جلسنا ننتظر سيارة‪ .‬اقتربت السيارة فوقفنا‬
                                                           ‫متوترين مراقبين ما سيكون‪ .‬العجلة الأمامية‬
   88   89   90   91   92   93   94   95   96   97   98