Page 94 - merit 45
P. 94

‫العـدد ‪45‬‬   ‫‪92‬‬

                                                ‫سبتمبر ‪٢٠٢2‬‬

‫سمير فوزى‬

‫مفترق طرق‬

               ‫الفيديوهات‪ ،‬حرموني من لحظة‪،‬‬            ‫وقفت السيارة بمحاذاتي‪ ،‬نزل سائقها ودون‬
               ‫لم أعرف بها إلا بعد خروجه من‬        ‫انتظار موافقتي وضع الحقيبة الوحيدة في المقعد‬
      ‫الح َّضانة‪ ،‬عرفت بالصدفة أن بالولد نفس‬      ‫الخلفي‪ ،‬لم أتردد لحظة واحدة في دخول السيارة‬
‫عيبي الخلقي‪ ،‬إصبع زائد في الكف الأيمن‪ ،‬تمنيت‬
   ‫معايشة ابتسامته الأولى‪ ،‬أول حبوة ووقوفة‪،‬‬                            ‫والجلوس بجوار الحقيبة‪.‬‬
       ‫اكتشفت بنفسي أن الولد يشبهني كثي ًرا‪.‬‬    ‫حقيبة متوسطة الحجم ليس بها سوى جواز السفر‬
     ‫تحرك بي السائق دون أن يسألني وجهتي‪،‬‬
             ‫وبمجرد عبورنا حدود المطار قال‪:‬‬         ‫وبعض الأدوية الشحيحة في مصر‪ ،‬أوصى بها‬
                                                   ‫الطبيب العالمي عقب جراحة القلب المفتوح‪ ،‬هاتف‬
                 ‫‪ -‬نورت بلدك يا أستاذ يحيى‪.‬‬       ‫محمول أنوي وضع رقم جديد به حتى لا يستدل‬
     ‫دهشت لمعرفته بي‪ ،‬وخمنت أن أح ًدا أرسله‬       ‫أحد عليَّ‪ ،‬بطاقة ائتمان حولت عليها كل مدخراتي‬
     ‫لاصطحابي‪ ،‬ثم تذكرت في التو أنني لم أبلغ‬        ‫خلال أعوام الغربة وملابس تكفي لأيام قلائل‪.‬‬
                                                   ‫ورواية السراب لنجيب محفوظ ومفكرة صغيرة‬
                        ‫أح ًدا بعودتي‪ ..‬سألته‪:‬‬
                                  ‫‪ -‬تعرفني؟‬                ‫دونت فيها يومياتي طوال فترة الغربة‪.‬‬
                                                   ‫استبعدت تما ًما حمل أية هدايا فنيتي متجهة إلى‬
 ‫‪ -‬من تلاميذك يا أستاذ‪ ،‬عرفتك أول ماشوفتك‪،‬‬          ‫القطيعة معهم‪ ،‬وقراري بعدم السفر مرة أخرى‬
                ‫مع إني ماشوفتكش من سنين‪،‬‬          ‫وعدم إبلاغهم بوصولي أمر شبه محسوم‪ ،‬ذوقي‬
                ‫استأذنت زميلي اللي عليه الدور‬    ‫دائ ًما لا يعجبهم‪ ،‬يسخرون مني ويتهمونني بأنني‬
                  ‫أطلع بك‪ ،‬قلت له إنك قريبي‪.‬‬        ‫أصبحت موضة قديمة خارج الزمن‪ ،‬أخشي أن‬
                     ‫‪ -‬اعذرني يا بني‪ ،‬أربعين‬    ‫يخبرهم أحد المعارف المشتركين بوجودي في مصر‪،‬‬
                      ‫سنة تدريس هافتكر مين‬         ‫لا أعرف ماذا سيفعلون حينها‪ ،‬فتصرفاتهم منذ‬
                                   ‫واللا مين؟‬
                            ‫‪ -‬مدرسة الحرية‬                                  ‫كبروا خارج التوقع‪.‬‬
                                   ‫الإعدادية‪.‬‬           ‫لا أنكر أب ًدا اشتياقي ولهفتي لرؤية يحيى‪،‬‬
                                                   ‫حفيدي الوحيد‪ ،‬لم أره سوى في الصور وبعض‬
   89   90   91   92   93   94   95   96   97   98   99