Page 248 - merit 41- may 2022
P. 248
جبران خليل جبران ،والعجيب العـدد 41 246
في قصة الحب هذه أنهما كانا
متيمين ببعضهما دون أن يري مايو ٢٠٢2 ما ندركه من فضاء النص.
أحدهما الآخر ،هي في الشرق وكانت مي تعامل الجميع معاملة
وهو مهاجر في الغرب ،ظل هذا هذين المشهدين للرافعي وتلميذه، لطيفة بطبيعتها وبصفاء نية ،لا
الحب أعوا ًما عديدة دون لقاء إلا أنهما مشهدان من مسرحية
واحد بينهما بالرغم من كثرة فكاهة عبثية. تعبأ بأن هذا يحبها أو ذاك ،أو
المراسلات العاشقة بينهما ،ذلك ومثل هذه الأقوال ما هي إلا أن الكثيرين واقعون في غرامها
مما دفع الكثيرين أن يصفوا تشويش مغلوط يتناثر في والهيام بها .هي تعاملهم بلطف
هذا الحب بأنه «الحب العابر جنبات سيرتها الذاتية ،ومن رائق ،وهذا مما جعل أكثر من
للقارات» ،وأطلق عليه آخرون ثم تشويشات مغلوطة تقدم إلى واحد يعتقد أنها تحبه هو دون
«الحب بدون لقاء» ،كان جبران الساحة الأدبية .وشبيه ذلك من
هو الحب الوحيد في حياتها ،وهي غيره ،وما الذنب في ذلك عند
التي بدأت بمراسلته ،وظل هذا ذهبوا إلى أنها كانت تحب الشاعر مي ،بل الذنب عند صاحب
الحب جذوة متقدة حتى رحيل المصري التركي ولي الدين يكن
جبران في الولايات المتحدة عام والذي كان واح ًدا من المتيمين الوهم الذي يخلقه ثم يعيش فيه،
بها ،والواقع أنها نعم كانت ومن أبرز هؤلاء كان مصطفي
.1931 صادق الرافعي .فيحدثنا تلميذه
وعلامة الاستفهام الكبري هي، تعامله معاملة خاصة دون غيره،
ما دام الأمر كذلك والحب متقد ولكنها معاملة إشفاق ورحمة محمود أبو رية في كتابه «رسائل
بين الطرفين ،فلماذا لم يتزوجا؟ الرافعى» ،قائ ًل «مما أذكره إذ
إنسانية ،فقد كان مري ًضا بمرض كنت معه رحمه الله في صحبته
بل لماذا لم يسع أحدهما للقاء صدري ُيئس من علاجه وما له أحد الأيام بطنطا بأحد الأندية،
الآخر؟ وذلك أنه برغم كل هذا في الحياة بعمر طويل ،وزاد من فجاءت جريدة الأهرام ،وكان
ذلك الزعم أنه بعد موته كانت فيها يومئذ مقال للآنسة م ّي،
الحب إلا أن ك ًّل مهما يري لا ترتدي إلا اللون الأسود حز ًنا
الزواج من الآخر إعاقة له، فيها عبارة من كلام لها نشر من
فلا جبران سيأتي ويعيش في عليه ،هو وفاء نادر وقلب مرهف قبل ،فقرأه رحمه الله بشغف ،ثم
القاهرة ،ولا هي ستترك كل ما تجاه موقف إنساني ،إلا أن التفت إل َّي وقال بلهف :انظر يا أبا
البعض وضعه في غير موضعه. رية ،ووضع إصبعه على عبارة
ولكن من كل هؤلاء ،ألم تقع في من المقال ،إن هذه الكلمة العابرة
حب واحد من هؤلاء العاشقين؟ لم تكن في الأصل وإنما ُوضعت
نعم ،هي لم تحب إلا مرة واحدة
ولم يكن لها إلا حبيب واحد ،هو هنا كأنها رسالة لي منها».
وليس كل العجب في توهم
الرافعي وتفسيره لكلمة على
هواه ،بل الأعجب في أن يسير
تلميذه خلفه ويقول «ومن ثم
عرفت أن الآنسة مي كانت
تحمل له حبًّا ،ولكنها تتلطف
في إبدائه له ،وإن كانت تتحرج
في إظهاره للناس ،ومما أقرره
هنا أن الرافعي رحمه الله ذكر
لي أنه استشار السيدة الكريمة
زوجه في حبه لم ّي حتى لا يمس
بهذا الحب الطاهر أمانة الزوجية
الوثيقة» .والحق أننا لا نرى