Page 251 - merit 41- may 2022
P. 251

‫‪249‬‬  ‫ثقافات وفنون‬

     ‫فنون‬

‫والمجتمعي‪ ،‬وانعكاس لهذا المجتمع‬                ‫‪ ،Joseph Raphson‬وبرجسون‬             ‫ذات الله وصفاته وأفعاله‪ ،‬بوصفه‬
  ‫بتطوره أو اضمحلاله‪ ،‬وبالرغم‬                  ‫‪ Henri Bergson‬الفن ميتافيزيقا‬             ‫–أي‪ :‬الله‪ -‬هو المبدئ الأول‬
  ‫من أن الفلسفة عقلية تعتمد على‬                                                                           ‫للوجود‪.‬‬
  ‫ال ِفكر‪ ،‬والفن َح ْد ِس ْي‪ ،‬إلا أ َّن ك َّل‬                        ‫ُم َص َّورة‪.‬‬
                                                   ‫ولكي يتم تحديد العلاقة بين‬         ‫مرت الميتافيزيقا كفكر فلسفي‬
‫واحد منهما ُيكمل الآخر‪ ،‬فكلاهما‬                   ‫الميتافيزيقا والفن يجب تحديد‬          ‫بعدة مراحل‪ ،‬وتطور معناها‬
 ‫يبدأ من الذات‪ ،‬والذات الإنسانية‬                ‫أوجه التشابه وأوجه الاختلاف‬
                                                                                   ‫حسب رؤية كل فيلسوف وتعبيره‬
     ‫لها إرادة حرة‪ ،‬والفن ُمهمته‬                     ‫بينهما‪ ،‬فالميتافيزيقا شأنها‬     ‫عنها‪ ،‬وإن ظل معناها هو البحث‬
 ‫التعامل مع هذه الإرادة ‪-‬حتى لا‬                   ‫شأن أي اتجاه فلسفي يسعى‬               ‫في الغيب‪ ،‬أو ما وراء الواقع‪،‬‬
                                                                                      ‫وارتبطت بالفن على مستويين‪،‬‬
   ‫تكون عائ ًقا في طريق الإبداع‪-‬؛‬                    ‫لترسيخ قيم الحق والخير‬          ‫أحدهما‪ :‬مستوى الفن نفسه؛ لما‬
‫لينتج فنًّا خال ًصا يتسم بالأصالة‪،‬‬                 ‫والجمال‪ ،‬فتبحث في الأخلاق‬        ‫به من دلالات فلسفية ‪-‬والعلاقة‬
                                                 ‫ومصير الإنسان‪ :‬من أين جاء؟‬              ‫بينهما حديثة نسبيًّا‪ -‬حيث‬
  ‫وكذلك الميتافيزيقا‪ .‬فحين تبحث‬                   ‫وأين سينتهي به الأمر؟ وعن‬          ‫بدأت الميتافيزيقا كفكرة فلسفية‬
      ‫الميتافيزيقا في أصل الأشياء‬                  ‫ماهية الكون الذي يحيا فيه‪،‬‬            ‫انتشرت في الأدب‪ ،‬وأصبح‬
                                                    ‫وكيف يحيا؟ فتهتم بمصير‬            ‫الشعر منذ القرن السابع عشر‬
 ‫وجوهرها‪ ،‬وتدرك كلية الأشياء‪،‬‬                                                         ‫بالنسبة للشعراء بمثابة وسيلة‬
 ‫يبحث الفن عن عمق الشيء‪ ،‬وما‬                         ‫الإنسان ومواقفه وصراعه‬          ‫للمعرفة لفتح ثغرة تجاه المطلق‪،‬‬
                                                 ‫ضد شتَّى القوى‪ ،‬وكذلك الفن‪،‬‬       ‫حيث تميزت أعمالهم بالاستخدام‬
     ‫يتركه من أثر في النفس‪ ،‬وما‬                 ‫تثيره هذه القضايا ويعبر عنها‪،‬‬       ‫الابتكاري للخيال الأدبي‪ ،‬وإعمال‬
     ‫يعكسه على الوجود‪ ،‬وتأثيره‬                   ‫فالفن مرآة الحياة التي يحياها‬          ‫الفكر في النصوص‪ ،‬والتأكيد‬
   ‫‪-‬أي ًضا‪ -‬على تشكيل الوجدان‪.‬‬                  ‫الإنسان ومرآة صراعه النفسي‬              ‫على الجودة المنطوقة بد ًل من‬
   ‫فالفن كرؤية ميتافيزيقية ُيقدم‬                                                    ‫الغنائية كما في أعمال جون دون‬
‫الحقيقة الباطنية للوجود المؤسسة‬                    ‫كلاوديو بارميجياني تشكيل في‬      ‫(‪،June Donne )1631 -1572‬‬
                                                  ‫الفراغ بأسلوب ميتافيزيقي خامة‬    ‫وجورج هربرت (‪)1633 -1593‬‬
      ‫على ال َحدس‪ ،‬بعكس العلوم‬                   ‫بلاستر مع أكسيد أصفر الكادميوم‬        ‫‪ George Herbert‬وغيرهم‪..‬‬
   ‫القائمة على العقل‪ ،‬ولكي يتجلى‬                                                            ‫ثم انعكست بعد ذلك في‬
 ‫العمل الفني يقوم الفنان بالتخلي‬                     ‫الارتفاع ‪180‬سم عام ‪1995‬‬               ‫الموسيقى‪ ،‬حيث أصبحت‬
   ‫عن الإرادة‪ ،‬ويصبح فنًّا تأمليًّا‬                                                          ‫الموسيقى منذ بيتهوفن‬
 ‫خال ًصا‪ ،‬حيث يكون العمل الفني‬                                                      ‫(‪,Ludwig van )1827 -1770‬‬
   ‫تعبي ًرا عن معنى‪ ،‬وذا مضمون‬                                                     ‫‪ُ Beethoven‬مرغمة على التشابك‬
   ‫وكثافة وجودية‪ .‬والفنان يتخذ‬                                                     ‫مع الميتافيزيقا‪ ،‬فعملت على إدخال‬
 ‫هذا الخلاص بقدر ما يتاح له من‬                                                        ‫المتلقي إلى مجال أسرار الروح‪،‬‬
 ‫رؤية جمالية نزيهة‪ ،‬فيتحرر من‬                                                               ‫وأسرار الحياة الكونية‪.‬‬
‫إرادة الحياة؛ ليعود للحياة نفسها‪،‬‬                                                       ‫والآخر‪ :‬مستوى فلسفة الفن‬
   ‫وهذا الخلاص ينتج من إدراك‬                                                         ‫كعلم يبحث في (الفن) كفلسفة‪..‬‬
‫المثال الأفلاطوني‪ ،‬فالفن هنا نوع‬                                                        ‫حيث المعرفة الجمالية ُمق ِد َمة‬
   ‫من المعرفة‪ ،‬تتعلق بإدراك المُ ُثل‬
                                                                                   ‫للمعرفة الميتافيزيقية ونموذ ٌج لها‪،‬‬
                                                                                     ‫و َي ُع ُّد كل من شوبنهاور ‪Arthur‬‬
                                                                                       ‫‪ ،Schopenhauer‬ورافسون‬
   246   247   248   249   250   251   252   253   254   255   256