Page 262 - merit 41- may 2022
P. 262

‫العـدد ‪41‬‬                             ‫‪260‬‬

                                  ‫مايو ‪٢٠٢2‬‬

 ‫مع النصوص وكأنها نصوص‬                 ‫من طرف ناشر معين فعليه‬                           ‫اللغات الأصلية‪:‬‬
 ‫عامة‪ .‬بل عليه أن يعي جي ًدا أن‬       ‫أن يكون مقتن ًعا تمام الاقتناع‬          ‫«لا ينبغي أن نفهم التحويل‬
                                     ‫بقيمة العمل سواء الجمالية أو‬          ‫هنا في اتجاه واحد‪ .‬الترجمة لا‬
    ‫النصوص لا تنتمي فقط إلى‬        ‫الفكرية أو الفلسفية أو الإبداعية‬         ‫تحول النص المترجم فحسب‪،‬‬
‫عالم لغوي بكل حمولاته الدلالية‬       ‫أو الثقافية‪ ،‬وإلا ستكون عملية‬           ‫فهي عندما تحوله تحول في‬
                                       ‫الترجمة ذات أهداف تجارية‬            ‫ذاته اللغة المترجمة‪ .‬ويمكن أن‬
  ‫واللغوية والثقافية؛ بل إنها قد‬      ‫فقط‪ .‬لذلك‪ ،‬فأغلب النصوص‬            ‫نتذكر هنا ما حدث للكتابة باللغة‬
 ‫تنتمي إلى مجال أدبي أو فكري‬           ‫التي ترجمتها إلى حدود الآن‬       ‫الفرنسية عندما تفتحت على الأدب‬
 ‫أو فلسفي أو غير هذه المجالات‬        ‫كنت أنا من بادر إلى ترجمتها‪،‬‬          ‫الأمريكي وأخذت تترجمه‪ .‬بل‬
 ‫التي لها خصوصياتها وعوالمها‬         ‫إما لقيمتها الجمالية والإبداعية‬     ‫إن هذا ما نلاحظه اليوم في اللغة‬
 ‫المعرفية الخاصة‪ ،‬والتي ينبغي‬       ‫على غرار بعض مؤلفات الهايكو‬           ‫العربية حيث أصبحنا نشت ُّم في‬
                                    ‫للشاعر سامح درويش وديوان‬            ‫نصوصها رائحة اللغات الفرنسية‬
    ‫الاطلاع عليها قبل ممارسة‬       ‫الشاعر نور الدين محقق‪ ،‬وأي ًضا‬        ‫والإنجليزية والإسبانية‪ .‬فليست‬
  ‫عملية الترجمة‪ .‬أظن أي ًضا أنه‬   ‫ديوان الشاعرة مريم البقالي‪ .‬هذه‬       ‫الترجمة إذن‪ ،‬هي ما يضمن حياة‬
  ‫من المستحب أن يطلع المترجم‬        ‫الدواوين الشعرية ترجمتها من‬            ‫النص المترجم ونموه وتكاثره‬
‫على بعض استراتيجيات وآليات‬          ‫اللغة العربية إلى الإنجليزية من‬         ‫فحسب‪ ،‬وإنما هي ما يضمن‬
‫الترجمة التي اقترحها المنظرون‬     ‫أجل خلق تواصل بينها وبين قراء‬         ‫أيضا حياة اللغة والفكر ونموهما‬
                                  ‫اللغة الإنجليزية‪ .‬وبحكم اهتمامي‬
       ‫في مجال الترجمة لتبديد‬        ‫بالدراسات الثقافية وبالفلسفة‬                          ‫وتكاثرهما»‪.‬‬
                                                                               ‫دائ ًما ما يتم ربط الترجمة‬
                                        ‫وبالفكر عمو ًما فقد وجدت‬           ‫بالخيانة التي تعتبر سمة ذات‬
                                      ‫أن العديد من المقالات الفكرية‬          ‫نفحة ثيولوجية‪ .‬بيد أن عبد‬
                                    ‫والفلسفية والنقدية تستحق أن‬          ‫السلام بنعبد العالي يؤكد على أن‬
                                     ‫يطلع عليها قراء اللغة العربية‪.‬‬     ‫اللغة في حقيقة الأمر هي الخائنة‪:‬‬
                                     ‫ولأن بعضها ينتمي إلى الحقل‬           ‫«هناك ترجمات تكتسب أهميتها‬
                                      ‫الفلسفي الغزير بالمصطلحات‬          ‫التاريخية من خيانتها للنص‪ ،‬إن‬
                                   ‫والمفاهيم الفلسفية؛ فإن المجهود‬         ‫صح التعبير‪ .‬بل إن من الأدباء‬
                                  ‫يكون دائ ًما مر ِه ًقا ويتطلب الكثير‬     ‫من يهتم بالترجمة فقط بقصد‬
                                   ‫من الاشتغال والبحث والمراجعة‬           ‫الاغتراب والخروج من المألوف‬
                                                                        ‫والابتعاد عن اللغة المكرورة‪ .‬إنهم‬
                                        ‫المتأنية قبل الإتيان بترجمة‬       ‫يجيئون إلى الترجمة بالضبط لما‬
                                    ‫مقبولة‪ .‬فقد ترجمت مث ًل بعض‬          ‫تنطوي عليه عمليتها من «خيانة»‬

                                      ‫نصوص الفيلسوف الأمريكي‬                                  ‫وغرابة»‪.‬‬
                                     ‫صمويل فييبر وبعض المقالات‬              ‫ومن جهة أخرى‪ ،‬ومن خلال‬
                                    ‫الفكرية والنقدية للكاتب والمفكر‬          ‫تجربتي المتواضعة في مجال‬
                                   ‫عبد الكبير الخطيبي والتي كتبها‬        ‫الترجمة‪ ،‬أرى أن على المترجم أن‬
                                   ‫منذ فترة طويلة ولا زالت تمتلك‬            ‫يختار النصوص بعناية مغلِّبًا‬
                                    ‫راهنيتها المعرفية‪ .‬وهذه النقطة‬      ‫قيمتها المعرفية والفكرية والأدبية‬
                                  ‫تحيلني إلى الحلقة الأهم في عملية‬          ‫على أي مبرر آخر‪ .‬وحتى إذا‬
                                                                             ‫ا ْق ُت ِرحت عليه بعض الأعمال‬
                                            ‫الترجمة وهو المترجم‪.‬‬
                                      ‫فالمترجم لا ينبغي أن يتعامل‬
   257   258   259   260   261   262   263   264   265   266   267