Page 74 - ميريت الثقافية رقم (28)- أبريل 2021
P. 74

‫العـدد ‪28‬‬   ‫‪72‬‬

                                                     ‫أبريل ‪٢٠٢1‬‬

‫نعيم صبري‬

‫كلوا بامية‬

   ‫هز ذيله والدوران حوله والتمسح بساقيه كمن‬              ‫مرت الأيام رتيبة إلى أن جاء استدعاء لإبراهيم‬
    ‫لا يدرى كيف يعبر عن شحنة المحبة والانفعال‬           ‫عبد الله من عثمان جمعة‪ .‬تحدد له موعد للقائه‪.‬‬
 ‫التى تعتمل بداخله‪ .‬ارتسمت ابتسامة عريضة على‬          ‫فى اليوم السابق للموعد بدا الانشغال على ملامحه‬
    ‫وجه إبراهيم وبدا الهدوء والاندماج فى اللحظة‬
                                                          ‫ووشت حركاته بقلق بالغ‪ .‬بعد الإفطار اختلى‬
      ‫على ملامحه‪ ..‬لقد أنساه رفيق متاعبه‪ .‬جلس‬               ‫بنفسه فى غرفته وحاول ترتيب أفكاره للقاء‬
   ‫على الشاطئ ورفيق يقعي إلى جواره‪ ..‬نظر إليه‬          ‫اليوم التالى‪ ..‬كان يتحرك فى الغرفة بعصبية وهو‬
  ‫بامتنان‪ ..‬لماذا كل هذا الشر فى العالم؟! إن الحياة‬   ‫مستغرق فى التفكير‪ ..‬هذا لقاء مصير ّى‪ ..‬سيحدث‬
 ‫أبسط من كل هذه الصراعات‪ ..‬ماذا يريد الإنسان‬              ‫صدام لا محالة‪ ..‬يبدو أن اللحظة الحاسمة قد‬
   ‫أكثر من الاطمئنان والرضا‪ ..‬لا يمكن أن يشعر‬               ‫جاءت ولا بد من وضع النقاط على الحروف‬
 ‫مثل هؤلاء الناس بهذه المعانى البسيطة‪ ..‬العظيمة‬           ‫بوضوح‪ ..‬سيقوم بالضغط علىَّ طبعا لأرضخ‬
                                                         ‫لأفكاره المتخلفة‪ ..‬سأرفض مهما كلفنى الأمر‪..‬‬
     ‫فى نفس الوقت‪ ..‬يسعون إلى السيطرة والقوة‬          ‫لن أتنازل عن فكرة الست تحية كاريوكا‪ ..‬فليخبط‬
   ‫وفرض شروطهم على العالم‪ ..‬ينتهى الأمر بقهر‬         ‫رأسه هو وجمعيته ومن وراءهم فى الحائط‪ ..‬أنا لن‬
                                                       ‫أتنازل من أجل المادة‪ ..‬لكن‪ ..‬كيف أدبر لهم مبلغ‬
     ‫الناس البسيطة التى لا تريد من الحياة سوى‬        ‫الدفعة المقدمة الذى أخذته منهم وقمت بتحويله إلى‬
    ‫الستر والاطمئنان‪ ..‬ومن يملك بعض الوعى لا‬            ‫نادية‪ ..‬لقد كنا متفقين على سداد كل ديوننا من‬
‫يطمع سوى فى عمل ما يرغبه وتحقيق ذاته‪ ..‬اللعنة‬           ‫أول مبلغ يجيئنا‪ ..‬ولا بد أنها قد نفذت ما اتفقنا‬
    ‫على كل هذا الشر‪ ..‬كان يتحدث إلى رفيق الذى‬          ‫عليه‪ ..‬كما كنا فى احتياج لبعض المشتريات الهامة‬
 ‫ينظر إليه بنظرات هى مزيج من المحبة والامتنان‪..‬‬         ‫للبيت‪ ..‬سأطلب مهلة للسداد‪ ..‬هم الذين يريدون‬
   ‫نظرات يفتقدها الإنسان فى كثير من البشر‪ ..‬لو‬        ‫التدخل والتحكم فى عملى‪ ..‬أنا مستعد للعمل ولكن‬
   ‫كان للإنسان بع ٌض من نقاء الكلاب لتعدل حال‬           ‫بشروطى‪ ..‬ظل يقلب الموضوع فى ذهنه دون أن‬
  ‫الكون كثي ًرا‪ ..‬اعتاد إبراهيم تربية الكلاب وارتبط‬  ‫يبدو عليه أنه استقر إلى ما يريحه‪ ..‬غادر الغرفة إلى‬
‫بها كثي ًرا‪ ..‬لكنه‪ ،‬ومنذ وفاة كلبه الأخير‪ ،‬لم يستطع‬   ‫شاطئ البحر‪ ..‬أشعر بالاختناق‪ ..‬لم أمر بمثل هذا‬
  ‫مواصلة عادته هذه لرفض زوجته القاطع نتيجة‬
‫لحزنها الشديد على وفاة كلبهما الأخير الذى كانت‬                              ‫الموقف السخيف من قبل‪.‬‬
      ‫شديدة الارتباط به‪ ،‬خاصة بعد هجرة ابنهما‬           ‫بمجرد وصوله إلى شاطئ البحر جاءه رفيق من‬
  ‫الوحيد إلى أمريكا‪ ..‬قالت له بحسم‪ ..‬لن أستطيع‬
   ‫تحمل هذه التجربة مرة أخرى‪ ..‬لن أرتبط بكلب‬              ‫على البعد جر ًيا بنشاط وترحيب‪ .‬الكلاب تجيد‬
   ‫جديد وأفقده‪ ..‬كان من عادته أن يسارع باقتناء‬          ‫التعبير عن مشاعرها بوضوح‪ ..‬تبدو الفرحة فى‬
   ‫كلب جديد بمجرد وفاة كلبه الذى يربيه‪ ..‬يتابع‬
    ‫إعلانات الجرائد ويوصى المعارف والأصدقاء‪،‬‬              ‫عيونها وتستشف الترحيب من حركتها‪ ..‬أه ًل‬
   ‫لا تنقضى بضعة أسابيع إلا ويكون قد وفق فى‬           ‫رفيق‪ ..‬ر ّبت إبراهيم عليه مرحبا هو الآخر وداعبه‬

                                                          ‫بأصابعه فى صدره بينما لم يتوقف رفيق عن‬
   69   70   71   72   73   74   75   76   77   78   79