Page 197 - ميريت الثقافية- العدد رقم (25) يناير 2021
P. 197

‫الملف الثقـافي ‪1 9 5‬‬

   ‫يراها نابعة من فطرته من‬      ‫أن الذهنية الإسلامية ترفضه‬        ‫التعبير‪ ،‬كما اصطلحت عليها‬
     ‫تقديس الهندوس لرمزية‬       ‫رف ًضا قاط ًعا‪ ،‬بمعنى أن الفكر‬    ‫المجتمعات الحديثة في أوروبا‬
   ‫البقرة‪ ،‬لكنه يغضب غضبًا‬      ‫الديني التقليدي عند المسلمين‬
    ‫شدي ًدا في حال إنكار نبوة‬   ‫يرحب بممارسة حقوقه كاملة‬            ‫وغيرها‪ ،‬وهي حدود تعطي‬
   ‫النبي محمد أو انتقاده كما‬                                      ‫الحق لكل إنسان في أن يعلن‬
  ‫يظهر في المدونات الإسلامية‬       ‫في نقد عقائد الآخرين‪ ،‬بدء‬       ‫موقفه من الأديان بوضوح‪،‬‬
 ‫نفسها‪ ،‬ويعتبر ذلك إساءة لا‬         ‫من النصوص التأسيسية‬
  ‫تغتفر في حق الإسلام‪ ،‬وفي‬       ‫للإسلام نفسها التي تمارس‬                ‫إيجا ًبا وسلبًا‪ ،‬اعتنا ًقا‬
‫حقه هو كمسلم شخصيًّا‪ ،‬لحد‬            ‫نق ًدا لعقائد الآخرين من‬     ‫ورف ًضا‪ ،‬مما تدرجه العلمانية‬
‫أن المقارنة السائدة في الذهنية‬                                    ‫الأوروبية ضمن حقوق الفكر‬
    ‫الإسلامية الدارجة لقبول‬           ‫المشركين وأهل الكتاب‪،‬‬
 ‫النقد الموجه للإسلام تشرطه‬        ‫وتندي ًدا قو ًّيا بها وسخرية‬       ‫والتعبير والاعتقاد‪ ،‬وهو‬
    ‫بقبول السباب الشخصي‬            ‫حادة منها أحيا ًنا‪ ،‬ومرو ًرا‬      ‫جوهر ما نص عليه إعلان‬
                                    ‫بآراء اتجاهات علم الكلام‬          ‫حقوق الإنسان والمواطن‬
                ‫بالأب والأم!‬      ‫ومدارس الفقه المختلفة التي‬       ‫الذي صدر في أعقاب الثورة‬
  ‫هذه الروح الحادة المتناقضة‬       ‫تتمتع بحرية بلا حدود في‬       ‫الفرنسية الكبرى سنة ‪،1789‬‬
 ‫المعادية في أصولها وجذورها‬     ‫نقد عقائد الغير‪ ،‬وبلورة كافة‬     ‫وجاء في مادته الرابعة‪« :‬تكمن‬
                                  ‫الأحكام المتعلقة بمعاملتهم‪،‬‬    ‫الحرية في القدرة على فعل كل‬
    ‫لحرية نقد العقيدة ‪-‬ولكن‬     ‫وانتهاء بطريقة المسلم العادي‬     ‫ما لا يضر بالغير‪ .‬ولذلك فإن‬
  ‫السائدة والمتوارثة في الفكر‬     ‫في نقد العقائد الأخرى‪ ،‬فهو‬     ‫ممارسة الحقوق الطبيعية لكل‬
  ‫الإسلامي للأسف الشديد‪-‬‬                                         ‫إنسان ليس لها حدود إلا تلك‬
   ‫لا بد أن تتناقض مع المادة‬         ‫يستطيع أن ينكر بشكل‬          ‫التي تكفل للأعضاء الآخرين‬
                                ‫طبيعي تما ًما فيما يرى ‪-‬وعلى‬
       ‫العاشرة من الدستور‬       ‫سبيل المثال‪ -‬عقيدة الخلاص‬              ‫في المجتمع التمتع بذات‬
     ‫الفرنسي التي تقول‪« :‬لا‬                                      ‫الحقوق‪ .‬ولا يجوز تحديد هذه‬
‫يجوز إزعاج أحد بسبب آرائه‬         ‫عن طريق صلب المسيح‪ ،‬أو‬          ‫الحدود إلا بموجب القانون»‪.‬‬
‫حتى وإن كانت دينية»‪ ،‬والمادة‬    ‫يدين عقيدة شعب الله المختار‬
                                ‫عند اليهود‪ ،‬أو يسخر بطريقة‬            ‫المفارقة أن السطر الأول‬
                                                                       ‫من هذه المادة في إعلان‬
                                                                      ‫حقوق الإنسان والمواطن‬
                                                                  ‫بات يشكل ما يشبه دستو ًرا‬
                                                                   ‫لفهم معنى الحرية في الفكر‬
                                                                    ‫الإسلامي الحديث‪ ،‬متمث ًل‬
                                                                    ‫في اختصارها على الطريقة‬
                                                                  ‫الشائعة بالقول‪« :‬أنت حر ما‬
                                                                  ‫لم تضر»‪ ،‬لكن حدود الضرر‬
                                                                  ‫التي تتولى بقية المادة بلورته‬
                                                                  ‫لا تلقى في الذهنية الإسلامية‬
                                                                        ‫نفس القبول والرواج‪،‬‬
                                                                  ‫فحدود الحريات طب ًقا للمادة‬
                                                                  ‫الدستورية الفرنسية هو حق‬
                                                                   ‫الآخرين في التمتع بممارسة‬
                                                                 ‫نفس الحريات بمساواة كاملة‬
                                                                   ‫بين المختلفين‪ ،‬وهو ما يبدو‬

                                ‫لقاء ماكرون مع الجزيرة‬
   192   193   194   195   196   197   198   199   200   201   202