Page 198 - ميريت الثقافية- العدد رقم (25) يناير 2021
P. 198

‫العـدد ‪25‬‬           ‫‪196‬‬

                                                                ‫يناير ‪٢٠٢1‬‬     ‫‪ 11‬من نفس الدستور التي‬
                                                                             ‫تنص على أن‪« :‬حرية التعبير‬
 ‫بحد ذاته‪ ،‬فالعلمانية شأن‬      ‫والخلاص البشري في عقيدة‬                      ‫عن الأفكار والآراء هي واحدة‬
           ‫يعنينا جمي ًعا»‪.‬‬     ‫صلب المسيح والتي ينكرها‬
                                                                                ‫من أثمن حقوق الإنسان‪،‬‬
    ‫ومن الواضح للغاية في‬                      ‫المسلم ذاته!‬                    ‫بالتالي يجوز لأي مواطن أن‬
   ‫هذه الفقرة أنها تتضمن‬          ‫هذا التعقيد هو ما يعانيه‬                  ‫يتكلم ويكتب وينشر بحرية»‪.‬‬
‫خطا ًبا مضا ًّدا لكل خطابات‬      ‫«ماكرون» على الأرجح في‬                      ‫وهي نفس الروح التي قادت‬
                                  ‫رغبته في مواجهة الأزمة‬
      ‫المؤسسات الدينية في‬          ‫بصورة واعية‪ ،‬لا تعتمد‬                       ‫موجة الغضب ضد خطاب‬
   ‫البلدان الإسلامية‪ ،‬سواء‬     ‫على التمويه بإخفاء جذورها‬                       ‫«ماكرون» الذي حاول فيه‬
                               ‫الدينية والثقافية الصحيحة‪،‬‬                   ‫الدفاع بحسم عن حق رسامي‬
     ‫كانت خطابات رسمية‬         ‫لأنها لن تكون في هذه الحالة‬                     ‫«مجلة شارلي إبدو» في أن‬
‫كخطاب الأزهر (الأشعري)‬                                                      ‫يتناولوا برسوماتهم مقدسات‬
 ‫في مصر‪ ،‬أو كخطاب هيئة‬              ‫قادرة على تقديم علا ٍج‬                      ‫الآخرين دون أن يعد ذلك‬
                                    ‫مج ٍد لها‪ ،‬لكنها لا يجب‬                    ‫إساءة لهم‪ ،‬ومع علم عموم‬
    ‫كبار العلماء (الوهابية)‬      ‫أن تتجاوز في نفس الوقت‬                        ‫الغاضبين من المسلمين أن‬
   ‫في السعودية‪ ،‬أو رئاسة‬            ‫تقديم العلاج الصحيح‬                         ‫هذه الرسومات لا تتناول‬
  ‫الشئون الدينية (العلمانية‬        ‫لها كمشكلة يعاني منها‬                    ‫النبي محمد على وجه الحصر‪،‬‬
   ‫ساب ًقا والإخوانية حاليًا)‬   ‫المجتمع الفرنسي ومواطنيه‬                      ‫لكنها تناولت من قبله عقائد‬
                                   ‫المسلمين‪ ،‬وليس كأزمة‬                         ‫أخرى في مقدمتها العقيدة‬
        ‫في تركيا‪ ،‬أو كانت‬         ‫فكر ديني بعامة‪ .‬توضح‬                        ‫المسيحية‪ ،‬بل ومفهوم الفداء‬
      ‫خطابات غير رسمية‬           ‫هذا المعنى فقرات «خطاب‬
 ‫كخطاب الجماعات السلفية‬        ‫الأزمة» الذي ألقاه في أعقاب‬
  ‫والأصولية بامتداد العالم‬      ‫ذبح البروفسور «صامويل‬
  ‫الإسلامي‪ .‬وهي خطابات‬             ‫باتي» كما نشرته وزارة‬
‫تقوم في جوهرها على رفض‬             ‫الخارجية الفرنسية على‬
     ‫نقد العقيدة الإسلامية‬       ‫موقعها الرسمي‪ ،‬إذ يؤكد‬
  ‫باعتبارها ليست ممارسة‬           ‫فيه أن‪« :‬المشكلة لا تكمن‬
     ‫تندرج ضمن الحريات‬           ‫في العلمانية‪ .‬وقد سبق لي‬
     ‫الفكرية لغير المؤمنين‬      ‫وذ ّكرت مرا ًرا وتكرا ًرا بأن‬
  ‫بالإسلام‪ ،‬ولكن بوصفها‬            ‫العلمانية في الجمهورية‬
‫إساءة متعمدة ضد الإسلام‬           ‫الفرنسية تتمثّل في حرية‬
    ‫ونبيه‪ ،‬إساءة قادمة إما‬           ‫الاعتقاد أو عدمه‪ ،‬وفي‬
 ‫من مشاعر حقد دفينة على‬            ‫إمكانية أن يمارس الفرد‬
   ‫الإسلام أو من مؤامرات‬         ‫شعائره الدينية ما دامت‬
    ‫استعمارية موجهة ضد‬            ‫لا تمس بالنظام العام‪.‬‬
                               ‫فالعلمانية تتجسد في حياد‬
                ‫المسلمين!‬       ‫الدولة‪ ،‬لا في إلغاء الديانات‬
‫ولا يمكن القول إن الرئيس‬            ‫في المجتمع‪ ،‬في المساحة‬
                                ‫العامة‪ ،‬والعلمانية هي لحام‬
    ‫الفرنسي لم يكن واعيًا‬        ‫فرنسا المو ّحدة‪ .‬فإن كانت‬
  ‫في خطابه بعمق وخطورة‬         ‫الروحانية تنبع من الشخص‬
   ‫الأزمة التي حاول تلمس‬
 ‫جذورها وحجمها الحقيقي‬

    ‫في الواقع‪ ،‬بما يمكن أن‬
      ‫يعنيه عدم الوعي هذا‬
    ‫من اصطناع مواجهات‬

                               ‫ماكرون‬
   193   194   195   196   197   198   199   200   201   202   203