Page 37 - ميريت الثقافية- العدد رقم (25) يناير 2021
P. 37

‫‪35‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫رؤى نقدية‬

‫«سأمضي إلى العدم» (‪ )2018‬ال ّصادر عن الهيئة‬                                          ‫الأمر الّذي يجعلها مسر ًحا لعبور ثقافات إنسانية‬
  ‫المصرية العامة للكتاب من القاهرة‪ ،‬وهي تواصل‬                                       ‫عدة‪ ،‬ومشت ًل لتلاقح أنواع وأجناس وفنون أخرى‪.‬‬
‫تشييد عوالمها ال ّشعرية المتفردة‪ ،‬الماتعة واللاّمهادنة‬                               ‫فبالإضافة إلى الأسماء ال ّشعرية العربية ال ّسابقة‪،‬‬
                                                                                    ‫نجد ال ّشاعر الفلسطيني‪ /‬الأردني موسى حوامدة‬
                                                                       ‫في آن‪.‬‬
‫في سياق قراءة هذه التّجربة الجديدة ثقافيًّا‪ ،‬يمكن‬                                    ‫الّذي يعتبر من أه ّم الأصوات ال ّشعرية في الجيل‬
   ‫اعتبار الخطاب النّقدي الموازي لإبداعه‪ ،‬خاصة‬                                        ‫الثّاني من قصيدة النّثر‪ ،‬قبل ُه «كان أغلب شعراء‬
‫الحوارات‪ ،‬مدخ ًل وخطا ًبا نظر ًّيا مواز ًيا لفهم هذه‬
‫التّجربة في تخلقها الجمال ّي‪ ،‬ونأخذ العينة التّالية‪:‬‬                                    ‫فلسطين يشددون على ما هو خارج الق ّصيدة‪..‬‬
‫«ال ّروافد الّتي ساهمت في تكوين ثقافتي ال ّشعرية‬                                    ‫التّركيز على خطاب الهوية‪ ،‬وأسطرة الفدائي‪ ،‬وضخ‬
‫كثيرة‪ ،‬أولها الفولكلور ال ّشعبي الفلسطيني‪ ،‬الّذي‬                                     ‫ال ّشعر كلّه في ال ّدال (مقاومة)‪ ،‬جاء حوامدة وجيله‬
                                                                                    ‫ليطرحوا القضية الفلسطينية بطريقة أخرى خارج‬
   ‫تشبّعت منه مب ّك ًرا‪ ،‬والقرآن الكريم‪ ،‬والقصص‬                                      ‫الخطاب ال ّسياسي‪ ،‬والنّظر إلى الفلسطيني بعين‬
‫ال ّدينية‪ ،‬كتب الماركسية‪ ..‬والقراءة للأدب وال ّشعر؛‬                                 ‫جديدة‪ ،‬والتّركيز على ما هو شخص ّي وذات ّي»(‪.)3‬‬
‫العالمي والعربي‪ ..‬هذه هي ال ّروافد المادية‪ ،‬لك ّن الأه ّم‬
                                                                                      ‫وقد جاء إليها بعد أن خاض تجربة الكتابة في‬
                                                                                    ‫ال ّشعرية العمودية الخليلية والتّفعيلية‪ ،‬وهذا التّحول‬
‫هي تجارب الحياة‪ ،‬والانخراط فيها‪ ..‬وال ّدافع القو ّي‬
                ‫للاندفاع نحو الثّقافة والكتابة»(‪.)5‬‬                                  ‫في الكتابة له ما يبرره‪ ،‬كما يؤكد‪« :‬لقد ذهب ُت إلى‬
‫‪« -‬ال ّشعر كما أفهمه ليس كلمات نكتبها‪ ،‬أو أوزان‬                                     ‫قصيد ِة النّث ِر‪ ،‬آم ًل أن أخر َج عن التّيا ِر‪ ،‬وأن أح ّرك‬

‫خليلية نهندسها‪ ،‬ولا مجرد مشاعر نبثها أو لواعج‬                                                                            ‫عقلي»(‪.)4‬‬
                                                                                     ‫إ ّن تحريك العقل على حسب تعبير ال ّشاعر ما هو‬
‫رمانسية تعبر عن فهم مدرسي للكتابة‪ ،‬أعتقد‬                                            ‫إ َّل تفكير في عقلنة ال ّشعر بالثّقافة‪ ،‬عبر تحريك عقل‬

‫وأفهم أن الشعر هو رؤيا للوجود‪ ،‬رؤيا مرتبطة‬                                          ‫ال ّشاعر والقارئ م ًعا ومساهمتهما في بناء العملية‬

    ‫بثقافة عالية وموقف أخلاقي من الحياة»(‪.)6‬‬                                                                                             ‫ال ّشعرية‪.‬‬
‫اذلهقوبلإل‪/‬ي ِاهلانعظترر ًّياا‪،‬ف‪،‬ومنازعج ُم ّأسدّن ُهالشّشعارع ًّيرا‪،‬‬
                                                                       ‫من خلال هذا‬  ‫االلأ ّشوبال‪:‬ب«واشلمغربح»لَة‪8 .8.‬و‪9‬ا‪1‬ل)تّ اجلّرذبةي‬  ‫ومنذ عمله ال ّشعر ّي‬
                                                                       ‫موفق بين ما‬                                                       ‫جاء مضمخا بفورة‬
‫لكن‪ ،‬لا ب ّد من تحطيم هذه النّظري ِة على قارع ِة النّ ِص‬
 ‫ال ّشعر ِّي‪ ،‬ديوان «سأمضي إلى العدم» أنموذ ًجا‪.‬‬                                    ‫ال ّشعرية للشاعر موسى حوامدة تتخلق عبر‬
‫إ ّن تحريك العقل ما هو إلاّ عقلنة القصيدة بالفكر‪،‬‬
                                                                                    ‫«تزدادين سماء وبساتين» (‪ )1998‬ث ّم تعلو‬
‫وتجريب شعر ّي للقصيدة الحوامدية‪ ،‬وفتح نوافذها‬                                       ‫«شجري أعلى» (‪ )1999‬وتسافر مع «أسفار‬

‫على رياح ثقافيّة متعددة‬                                                                          ‫موسى‪ ..‬العهد الأخير»‬
                                                                                                 ‫(‪ )2002‬وت ّط ُل «من جهة‬
‫ومتجددة‪ ،‬دون أن تفقدها‬

    ‫خصوصيتها المحلية‪،‬‬                                                                            ‫البحر» (‪ )2004‬على‬

‫ونكهتها العربية الخالصة‪،‬‬                                                                         ‫«سلالتي ال ّريح عنواني‬
‫مع التّأكيد على أن الأعمال‬
‫ال ّشعرية الأولى لم تمسسها‬                                                                       ‫المطر» (‪ )2007‬متعالية‬

    ‫هذه ال ّظاهرة الثّقافية‬                                                                      ‫«كما يليق بطير طائش»‬

                                                                                                 ‫(‪ )2007‬ل ُتعا َد مختارة في‬
‫بصورة واضحة‪ ،‬وتلك‬                                                                                    ‫«سلالتي ال ّريح وقصائد‬
                                                                                                 ‫أخرى» (‪ )2010‬لكنّها ليست‬
‫خاصية يشترك فيها أغلب‬
‫ال ّشعراء‪ ،‬ذلك أ ّن «الكتابة‬
‫ال ّشعرية في البدايات لا‬                                                                          ‫كـ»موتى يجرون ال ّسماء»‬
‫يمسها الفكر إلاّ م ًّسا رفي ًقا‪،‬‬                                                                 ‫(‪ )2013‬إ ّنها «جسد للبحر‪،‬‬

                                                                                                 ‫رداء للقصيدة» (‪،)2015‬‬

‫وكلما تكثفت الممارسة‬                                                                             ‫وليس انتها ًء بديوانه الجديد‬

                                                                                    ‫موسى حوامدة‬
   32   33   34   35   36   37   38   39   40   41   42