Page 83 - ميريت الثقافية- العدد رقم (25) يناير 2021
P. 83

‫‪81‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫قصــة‬

  ‫وعذابنا‪ .‬كنا ننظفها يوميًّا ونغسلها بأيدينا وببحرنا‬   ‫ولكن ماذا حدث بالضبط؟! لا أحد يدري! لقد استيقظنا‬
  ‫وأمطارنا وتلك القطرات التي تسيل عس ًل مال ًحا من‬             ‫ذات صباح‪ ،‬فإذا الشمس غائبة‪ ،‬والقمر غائب‪،‬‬

    ‫أرواحنا وأفكارنا وأحلامنا التي كانت‪ ،‬وما زالت‪،‬‬         ‫وملامحنا غائبة‪ ،‬والبحر غاضب‪ ،‬ووحوش سوداء‬
                     ‫خضراء صغيرة بحجم الكف‪.‬‬                   ‫كاسرة تحجب الهواء‪ ،‬وتغلق النوافذ والأبواب‪.‬‬

  ‫َح َّرموا صيد النساء‪ ،‬عندما اكتشفوا أنهن ارتقين إلى‬                    ‫(‪)3‬‬
 ‫مصاف الآلهة‪ .‬منحوهن الخاتم والعصا والصولجان‬
 ‫وبع ًضا من ُك ْح ٍل ونو ٍر وغن ٍج وجس ٍد عسجدي يراوح‬    ‫معجونون نحن بماء العفاريت‪ .‬عنصريون أولاد كلب‬
  ‫بين الشمس والقمر والأغنيات العارية المستلقية على‬        ‫بلا منازع‪ .‬لماذا صرنا أولاد كلب أ ًّبا عن جد‪ .‬لم نكن‬
  ‫ضفة بحرنا المالح الذي ليس له آخر‪ .‬وهبطنا إحدى‬            ‫كذلك‪ ،‬وربما كنا ولكننا لم نجد الفرصة‪ ،‬أو تغزونا‬
                                                          ‫الظروف كجراد جامح يدمر الروح ويغشى البصر‪.‬‬
      ‫درجات الوجود فاستوينا مع الآلهة ص ًّفا واح ًدا‬       ‫كانت ديانتنا السكندرية الأولى ذات يوم «البناء» ثم‬
‫فصرنا نركع لهن ونسجد ونغني فصارت الآلهة بش ًرا‬           ‫«الزخرفة»‪ ،‬ثم «الصيد»‪ .‬بنينا وزخرفنا في ستة أيام‪،‬‬
                                                        ‫وقررنا أن نستريح في اليوم السابع‪ .‬وفي الثامن رحنا‬
   ‫من نور وعنبر‪ ،‬فارتقت نساؤنا درجة حتى صرن‬               ‫نصطاد كل شيء وكل روح‪ .‬نصطاد الحب والجمال‬
  ‫عناقيد من دم ولحم وقلب وعيون وأصابع كجنيات‬              ‫والغناء‪ ،‬ونصطاد الرزق‪ ،‬ونفتح صدورنا لا للن َّوات‬
                                                         ‫ولا لصيد السمك فحسب‪ ،‬بل ولصيد الحياة أي ًضا لنا‬
                                ‫البحر في الأحلام‪.‬‬          ‫ولأبنائنا وأمهاتنا وزوجاتنا‪ ،‬ولمجد مدينتنا وقدس‬
    ‫لا إله خارج المعبد‪ .‬ولا آلهة داخل العقل‪ .‬قال قائل‬
 ‫من بيننا وأخرج قلبه بيده فقلده كل الرجال فتفتَّ َحت‬         ‫أقداسنا ولؤلؤة الآلهة أجمعين حين ُي َصلُّون م ًعا‬
   ‫ورودهن مثل كون شهي اشتهى أشهى ما فاضت‬                   ‫ويركعون ويسجدون تحت أقدامنا في معبدنا الذي‬
                                                           ‫بنيناه من وراء ظهر الزمن والأبد والأزل‪ ،‬وجعلناه‬
      ‫به الروح والشهوة وفريضة الحب الأولى‪ ،‬حتى‬
   ‫أنهن و َل ْد َننا من جديد كما أردن في أحلامهن‪ ،‬وكما‬        ‫بح ًرا ويابسة‪ ،‬وشوارع بأسماء العرب والعجم‬
   ‫اشتهين مرة وأخرى وعشرة وألف ومئة ألف ألف‬               ‫والفرس والإغريق والرومان والمسلمين والمسيحيين‬

     ‫لما كان الوجود يصعد بهن للخلود تارة ولسدرة‬              ‫واليهود وبلاد تركب الأفيال‪ ،‬وللأغنيات والنواح‬
 ‫المنتهى تارات ولأرباب الأكوان الأولى تارات وتارات‪.‬‬       ‫والتعديد والفرح‪ ،‬ولهدير الروح حين تصفو وتسمو‬
                                                          ‫وتتلون بلون الشمس والحب ومجرات القلب الأربع‬
     ‫فصرنا نحن معشر الرجال السكندريين‪ ،‬الطويل‬
     ‫منا والقصير‪ ..‬الرفيع منا والسمين‪ ..‬الأحول منا‬                                       ‫و ِق ْب َل َته و ُم ْن َتهاه‪.‬‬
                                                                 ‫كنا نصطاد كل شيء‪ ،‬حتى السمك والرتسة‬
        ‫والسليم‪ ..‬العابس والضاحك والبارد والطيب‬               ‫والبيساريا في أعالي البحار‪ ،‬والتوت والبامبوزيا‬
   ‫والنصاب واللعين‪ ،‬معيار الجمال الأول في عيونهن‪،‬‬             ‫والنوارس والطير الأبابيل في السماوات السبع‪.‬‬
                                                          ‫ومن أجل اكتمال ِس ْفر الخلق الأول‪ ،‬علمونا اصطياد‬
    ‫ومصدر ضحكاتهن عندما يرين عظامنا الناتئة أو‬            ‫أعقاب السجائر ومنحوا كل منا ع ًصا بسنارة وعلبة‬
    ‫يشعرن بضعف أقدامنا أو ببعض الخور في قوانا‪.‬‬           ‫صفيح وأطلقونا في ميادين معبدنا من فيكتوريا حتى‬
 ‫يضحكن ويفخرن برجال لا فرق بينهم وبين أسماك‬                ‫الشاطبي ومن أبي قير حتى سيدي جابر والمرسي‬
‫البيساريا وأم الخلول‪ ،‬بعيون سوداء وحولاء وواسعة‬            ‫أبي العباس‪ ،‬مرو ًرا بقلب قدس الأقداس من بارات‬
     ‫وضيقة‪ ،‬وشفاه رفيعة وضخمة وكبيرة وواسعة‬                 ‫وغرز ومقاهي وبيوت دعارة وشاليهات وعوامات‬
                                                          ‫ومتاحف ومعجزات لا تعد ولا تحصى‪ ،‬ولا أول لها‬
       ‫وحلوة‪ .‬رجال أقلعوا عن صيد النساء‪ ،‬وراحوا‬             ‫ولا آخر‪ ،‬أقلها نحن أبناء الآلهة في كل حالاتنا‪ :‬في‬
  ‫يصطادون كل شيء وكل رزق من أجلهن ومن أجل‬                   ‫جوعنا وفقرنا وعرينا وصلاتنا وعبادتنا وخوفنا‬

    ‫المعبد وقدس الأقداس والبحر والسماء وبسماتهن‬
          ‫التي تقول للقمر «قوم وأنا اقعد مطرحك»!‬

  ‫كانت ديانتنا الأولى والأخيرة‪ ،‬بناء المدن وزخرفتها‪،‬‬
  ‫وإقامة المعابد من أجل البشر‪ .‬هكذا هي مهمة الآلهة‬

     ‫الأولى‪ :‬بناء المعابد لتخليد البشر‪ ،‬وإقامة صروح‬
    ‫الجمال من أجل تحليق النساء بأجنحة من ضياء‪،‬‬
   78   79   80   81   82   83   84   85   86   87   88