Page 84 - ميريت الثقافية- العدد رقم (25) يناير 2021
P. 84
العـدد 25 82
يناير ٢٠٢1
والبارات على المجرات الأخرى ،فالإنسان السكندري واختراع النور من أجل الرقص والغناء ودلال النسيم
هو الذي بنى الإسكندرية ،وتماهى معها فزخرفها وقبلات من لبن وعسل وخمر ،والسعي بين السماء
والبحر من أجل كسرة خبز وزمارة وأرجوحة
ورسم ملامحها مثل كائن أسطوري يحلق بك وما أنت للأطفال.
بالقاصي ولا الداني ولا الطائر ولا المحلق ،ولا َم َّسك كانت ديانتنا الأولى والأخيرة ،الحب والصلاة وغرس
الجمال ،والصحو منذ شعاع النور الأول للدب في
كائن أسطوري ولا رآك لا صب ًحا ولا مغر ًبا ولا فج ًرا،
وإنما أنت من الملائكة والمختارين وأنصاف الآلهة، الأرض وفي البحر وفي القلب ،والمد والجذر بين الأقمار
وصانع المدن الأسطورية المقدسة من أجل العشق والكواكب والمجرات وابتسامات الأطفال ،وصناعة
والعبادة والحياة .أنت الإله.
أنت الذي بنيت وتماهيت و َ َل َست ف َف َّجرت فأنميت الحل ِم وال َك َل ِم والحر ِف ولغة المحار والأصداف والرمل
الجمال والجلال والخيال ،فأشرفت على خلق الإله والموج ،وهمس العيون والأرواح والقلوب.
بذاته ولِ َذا ِته و َل َّذا ِته .فخلقته وأنت ممدد تستظل بيدك غا َد َرتني ابنه الكلب الإسكندرية هذه عند مطلع
من حرارة الشمس ،وتبتسم لطائر أهداك ُق ْب َلة من عند السبعينيات ،ف َه َج ْر ُتها إلى أبد الآبدين .غير آسف ولا
نادم ،ولكن بدون روح ولا قلب .تركتهما هناك لعل
حافة القمر ،وتنظر بعي ًدا إلى آخر البحر .فاس َت َح ْل َت الطريق يخطئ بي يو ًما فيعيدني سيرتي الأولى َبنَّا ًء
إل ًها بكينونة واحدة وثلاثة وجوه :رجل وامرأة
ومدينة. أو مركبًا أو َص َد َفة أو سمكة أو حبة رمل أو حتى
لعنة أو سبة أو بصقة ،يعود بي إلى قلبي الذي تركته
ولكن قل لي بربك ،أيها الإله الباني والملك المؤسس، ذات يوم في أحد أسواق الإبراهيمية أو على مقهى في
كيف يستقيم عدلك عندما ُت َف ِّرق بين الأسود والأسود، غبريال أو في شاليه بجوار زجاجة بيرة باردة ونهد
فتاة سكندرية عنصرية ابنة كلب تحتقر العالم وتطالع
وبين الأبيض والأبيض ،وبين الأسود والأبيض،
وبين الرجل والمرأة ،وبين الدين والدين ،وبين الروح شجرة العائلة لعل الجد السابع أو السبعين لك قد
لا يكونوا قد وقفوا في صفوف من بنوا تلك المدينة
والقلب؟! كيف تكون يا صاحب الجلال والجمال السحرية التي تخطف الروح وتحولك في لمح البصر
والعزة وابن كرموز وباب شرق إل ًها إذا لم يتسق إلى إله ليس أقل من صياد أو سمكة أو طائر بلون
وجودك مع صورتك ،ويستقيم خلودك مع صنعتك؟!
كيف تكون يا صاحب البحر والقمر والسماء وبارات الشمس.
الكورنيش وجبل أبي قير ومدرسة «الجيل الجديد» نحن هنا في كوكبنا أو مجرتنا السكندرية لا نعترف
وقهوة “زيزو” وحشيش عم حنفي إل ًها وصدي ًقا
وحبيبًا وعاش ًقا إذا أنت َح َر ْم َت ِص َو َر َك من مركز بالمخلطين ،ولا نعترف بأي إنسان إلا السكندري.
والسكندري هو أصل الإنسان ،أما البقية فهم مجرد
النور في َك ،وف َّر ْق َت بينها ،وبينها وبينك؟! كائنات ،يمكن أن نبحث لها عن أسماء مناسبة .ولكن
قل لي أيها الإله الباني والملك المؤسسَ ،م ْن ابن الملعونة دعنا نؤكد أن السكندري هو من أب وأم سكندريين
الذي فعل بك ذلك ،وانتزع منك ثوب ألوهيتك ،وخاتمك عن جد وجدة لأب وأم سكندريين حتى الجيل العاشر
وعصاتك وكأس اليود اليومي الذي توزعه على بحار
أو العشرين أو التسعين أو التسعمئة.
الكون؟! من الذي ألبسك هذا الزي الغريب والملامح السكندري الأسود ليس كأي كائن أسود آخر حتى
الغريبة وال َكلم الغريب والسيف الغريب .ضد َم ْن ولو كان قد ولد بالصدفة في الإسكندرية .والسكندري
الأسود ليس كـ”البربري” أو “النوبي” المصريين.
توجه سيفك ،وفي قلب َم ْن تغرسه ،أيها الإله الباني السكندري كائن ملعون ابن شوفينية .ولكي تكون
والملك المؤسس وابن الصيادين والبنائين والوراقين
والملاحين ،وحفيد الخيال والجمال والجلال ،يا من سكندر ًّيا ،دعنا نكرر مرة أخرى ،فلا بد أن يكون
كنت دوما تلقي ،في ِص َغ َرك ،تحية الصباح على عم أجدادك العشرة أو السبعين أو التسعمئة الأوائل ،عن
حنفي قبل أن يذهب لينام بعد ليلة حافلة ومليئة أمك وعن أبيك ،قد ُخلِقوا في الإسكندرية وشاركوا
بالمسؤليات الجسام؟! في بنائها .وإذا كان الله قد بنى القرى والمدن والمريخ
هل تذكر عندما كانت لدينا في الإسكندرية مهنتان