Page 89 - ميريت الثقافية- العدد رقم (25) يناير 2021
P. 89

‫‪87‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫قصــة‬

   ‫‪ -‬لم يمنع نابليون الذي كان أقصر من كثير من‬                  ‫‪ -2‬نابليون وزينب‬
    ‫جنوده أن يكون أكبر قائد للجيوش في التاريخ‪،‬‬
  ‫والشيء الأهم‪ ،‬وهذا ما لا تعرفونه‪ ،‬أنه كان يملك‬          ‫د ّق الجرس فدخل الطلاب إلى صفوفهم ولحق‬
‫قلبًا رقي ًقا‪ ،‬فقد كتب أجمل رسالة ح ّب إلى جوزفين‪،‬‬       ‫بهم مدرسوهم‪ .‬كان المدير وراء مكتبه والأستاذ‬
     ‫ما كتب مثلها كثير من الشعراء‪ ،‬ولا حتى نزار‬          ‫جعفر لم يغادر مكانه في غرفة الإدارة‪ ،‬فوفق ما‬
                                                         ‫هو مكتوب في جدول الدروس المعلق على اللوحة‬
                                         ‫قباني‪.‬‬      ‫عنده استراحة‪ ،‬لذلك اغتنم الفرصة ليكمل مع المدير‬
‫ازداد الطلاب سكينة فصاح بعضهم‪ :‬اح ِك لنا هذا يا‬      ‫حديثًا كان بدأه البارحة‪ ،‬فقال‪ :‬لا تتصور أن صورة‬
                                                       ‫كرستوفر كولومبس البحار‪ ،‬الذي اكتشف أمريكا‪،‬‬
                                    ‫أستاذ‪ ،‬اح ِك‪.‬‬     ‫تنمحي من ذاكرتي‪ ،‬ولا تتصور أن صورة نابليون‬
‫قال‪ :‬هذا الإمبراطور الذي قاد أعظم المعارك وانتصر‬      ‫بونابرت وخصلة من الشعر نازلة على جبهته وكفه‬
                                                     ‫اليمنى دون الإبهام مند ّسة في قميصه تنمحي أي ًضا‪،‬‬
       ‫فيها‪ ،‬له جانب آخر في شخصيته هو الجانب‬         ‫لا تتصور أن صورة جيفارا المشهورة تفارق خيالي‪،‬‬
‫العاطفي‪ ،‬وقد كتب إلى حبيبته جوزفين‪« :‬لا يمر يوم‬          ‫ولا تتصور أن مارلين مونرو بتنورتها الطائرة‬
                                                        ‫في الهواء أنساها يو ًما‪ .‬كان الأستاذ جعفر عاز ًما‬
   ‫دون أن أحبك ولا تمضي ليلة دون أن أضمك إلى‬          ‫على المزيد من القول‪ ،‬لكن الطالب الذي دخل الغرفة‬
‫صدري وبين ذراعي‪ ،‬لا أتناول الشاي دون أن ألعن‬
                                                                   ‫أوقفه عن الكلام‪ ،‬قال الطالب للمدير‪:‬‬
   ‫المجد الذي يبعدني عنك يا روح حياتي‪ ،‬في وسط‬           ‫‪ -‬أستاذ عندنا درس تاريخ والأستاذ لم يأت هذا‬
‫أعمالي وعلى رأس جيشي تشغلين يا معبودتي زينب‬            ‫اليوم‪ ،‬هل نخرج إلى الساحة أم نبقى جالسين على‬

                           ‫وحدك أفكاري وعقلي‪.‬‬                                               ‫مقاعدنا؟‬
‫ارتفع صوت بعض الطلاب‪ :‬يا أستاذ‪ ،‬هل كان اسم‬            ‫بالنسبة للمدير‪ ،‬أ ًّيا من الخيارين م ّر‪ ،‬لأن ضوضاء‬
                                                     ‫الطلاب في الصف ستؤثر على التدريس في الصفوف‬
                      ‫معبودته جوزفين أم زينب؟‬
    ‫قال الأستاذ جعفر‪ :‬وهل قلت زينب؟! هذا مجرد‬                        ‫الأخرى‪ ،‬لذلك قال للاستاذ جعفر‪:‬‬
     ‫سهو مني‪ ،‬انسوه‪ ،‬و لنتابع ما قاله نابليون في‬     ‫‪ -‬ما رأيك‪ ،‬تشغل ساعة هذا الدرس إذا ما كان لديك‬

       ‫الرسالة‪ :‬حبي لك ح ّق‪ ،‬لكنك ما حافظت عليه‬                                                ‫مانع؟‬
‫وتركتني ورحلت إلى غيري‪ ،‬فودا ًعا يا عذابي وروح‬           ‫قال الأستاذ جعفر للطالب‪ :‬أين وصلتم في مقرر‬
                                                        ‫التاريخ؟ قال الطالب؟ الحملة الفرنسية على مصر‬
   ‫حياتي وأتمنى أنك ما نسيت أيامنا الحلوة عندما‬          ‫بقيادة نابليون‪ .‬قال‪ :‬اذهب‪ ،‬أنا قادم إليكم حا ًل‪.‬‬
‫جمعتنا الأيام في كلية التربية وفي مكتبتها وزواياها‪.‬‬  ‫في الصف قال‪ :‬لن أحدثكم عن الحملة الفرنسية على‬
                                                         ‫مصر لأنكم درستموها بالتأكيد‪ ،‬ولن آتي بذكر‬
   ‫صاح بعض الطلاب‪ :‬وهل درس نابليون في كلية‬           ‫لحروب نابليون اللاحقة لأن مدرسكم أولى بها مني‪،‬‬
                                        ‫التربية؟‬        ‫لكن أريد التطرق إلى شيء آخر امتاز به نابليون‪،‬‬

  ‫قال الأستاذ جعفر وهو يحرك رأسه بقوة لتنزل‬                   ‫وربما ذلك الشيء لا وجود له في مقرركم‪.‬‬
    ‫الخصلة على جبهته أكثر‪ :‬وهل قلت إنه درس في‬              ‫تخطى الأستاذ جعفر في المسافة الفاصلة بين‬
                                                          ‫رحلات الطلاب والسبورة مطر ًقا برأسه‪ ،‬تع ّمد‬
            ‫كلية التربية! هذا مجرد سهو‪ ..‬انسوه‪.‬‬        ‫بعدها أن يرفعه بنوع من القوة‪ ،‬فنزلت خصلة من‬
                                                          ‫شعره الأسود الناعم على جبهته‪ ،‬وربما هذا ما‬
    ‫‪ -3‬بيريه جيفارا‬                                   ‫أراده فارتاح لهذه الحركة‪ ،‬وعندما رفع يده لتدخل‬
                                                     ‫أربعة من أصابعه ما بين ز ّرين في قميصه انبسطت‬
      ‫اندفع جنود بوليفيا بكامل أسلحتهم القتالية‬      ‫أساريره‪ ،‬و قال محاو ًل أن يبدو أكثر طو ًل وقد دفع‬
‫وأحاطوا بالوادي‪ ،‬فهم جيفارا أنه وصل إلى الطريق‬
                                                                                ‫كعبيه إلى الأعلى قلي ًل‪:‬‬
                    ‫الذي لا يفضي إلا إلى النهاية‪.‬‬
‫أصابت الرصاصة الأولى ساقه فهشمت عظمها‪ ،‬أما‬

             ‫الثانية فقد ح ّولت بندقيته إلى حطام‪.‬‬
         ‫قاده الجنود إلى مدرسة مهجورة في قرية‬
  ‫«لاهيغويريا» فاستطاع هناك أن يرى جثث رفاقه‬
  ‫تراكمت في ساحة المدرسة‪ .‬في تلك الأثناء لم يكن‬
    ‫العقيد «خواكين زينتينو أنايا» الذي قاد الحملة‬
   84   85   86   87   88   89   90   91   92   93   94