Page 92 - ميريت الثقافية- العدد رقم (25) يناير 2021
P. 92

‫العـدد ‪25‬‬    ‫‪90‬‬

                                                   ‫يناير ‪٢٠٢1‬‬

‫علي حسن‬

‫صور‬

  ‫يلفحك بلهيبه‪ ،‬فما بال هذا الشاب‪ ،‬يضع يده على‬       ‫كالبدر يتراقص ضياؤه على أكتاف موج يسجد‬
                     ‫خصرها ولا يزال على حاله؟‬     ‫خشو ًعا لهذا الجمال‪ ،‬كانت تتمايل في دلال وهي في‬
                                                  ‫صحبة شاب وسيم‪ ،‬يدها اليمنى تفيض على يسراه‬
  ‫نسيم البحر يمارس مجونه وشقاوته معها‪ ،‬تارة‬
      ‫مع شعرها الذهبي‪ ،‬وتارة أخرى مع تنورتها‬        ‫حنا ًنا ودفئًا‪ ،‬ويسراها تحاول عبثًا لملمة خصلات‬
                                                    ‫شعر حريري‪ ،‬تبعثره شقاوة نسيم مذهل أرسله‬
  ‫الحريرية الحمراء‪ ،‬كأنه يحاول أن يرتوي ويشبع‬
 ‫ناظر ّي! وهي تبتسم ابتسامات ساحرات لا تعرف‬                         ‫البحر خصي ًصا ليقبل وجنتيها!‬
‫قي ًدا‪ ،‬وتنثني لتلملم أطراف تنورتها بين ساقين من‬   ‫كعادتي كل خميس‪ ،‬أسهر على طاولتي المحببة إل ّي‬
  ‫مرمر عبقري! ويدها الأخرى تمتد على استقامتها‬        ‫في ذلك الفندق الأثري‪ ،‬ذي الخمسة نجوم‪ ،‬حيث‬

                                  ‫تحمل هاتفها!‬       ‫اس َت َغ َّل الفندق سطح المبنى وحوله مطع ًما وبا ًرا‬
  ‫لم أكن مشغو ًل قط بهذه اليد على حلاوتها‪ ،‬وإنما‬         ‫كسائر فنادق الإسكندرية المطلة على البحر‪.‬‬

     ‫كنت في عالم آخر أشد فتنة‪ ،‬وللسيقان سطوة‬         ‫على الرغم من أنني أعشق الخلوة‪ ،‬ولا أهتم بمن‬
  ‫ليس يفوقها عند الرجال إلا بما تحمله من دهاليز‬        ‫حولي من رواد البار‪ ،‬إلا أنني لم أستطع غض‬
                                                      ‫الطرف عن هذا النور الساطع الذي ترسله هذه‬
                 ‫وأسرار لم يكتشفها الرجال بعد!‬           ‫الفتاة أينما حلت! لقد كانت ماسة تتلألأ مع‬
  ‫كانت تمد يدها بالهاتف نحوي‪ ،‬تسألني أن التقط‬
  ‫لها صورة تجمعها بصديقها أو ربما خطيبها‪ ،‬في‬        ‫الأضواء الخافتة المنبعثة من زوايا القاعة‪ ،‬بألوان‬
  ‫كلا الحالتين هو حبيبها الذي استحوذ على قلبها‪،‬‬     ‫متجددة ومتباينة بشكل عشوائي‪ ،‬فتزيد الإضاءة‬
  ‫فلقد كانت لا ترى سواه‪ ،‬سواء كانت جالس ًة معه‬     ‫من أنوثتها وتسرع من مفعول ما أسكبه في جوفي‬

     ‫على الطاولة أو عندما تقف ليحتويها بساعديه‪،‬‬           ‫من كؤوس لم أعد أعرف عد ًدا لها أو نو ًعا!‬
            ‫ويضغط براحتيه على خصرها الجميل!‬         ‫لقد كان اختياري للطاولة عبقر ًّيا‪ ،‬يجعلني كاش ًفا‬
                                                    ‫لكل من حولي دون مجهود‪ ،‬وفي الوقت ذاته ألمح‬
 ‫لم أكن مستع ًدا لهذا الموقف‪ ،‬ولم أسمع رجاءها لي‬   ‫بعين َّي نظرات المتطفلين من حولي وهم قليلون على‬
‫بتصويرهما‪ ،‬لكنني وجدتها لحظة خالدة لن تتكرر‪،‬‬
                                                            ‫الرغم من كثرة الرواد‪ ،‬وصغر أعمارهم‪.‬‬
    ‫حين أنظر إليها من خلال عدسة هاتفها‪ ،‬وأضع‬      ‫كنت في هذه اللحظة‪ ،‬غير قادر على التركيز في جزء‬
    ‫يد َّي على موضع أصابعها‪ ،‬فوقفت في غمرة هذا‬
‫الحدث التاريخي بكل ثبات‪ ،‬وكأنني لم أتجرع عد ًدا‬      ‫بعينه من هذه الجوهرة الثمينة‪ ،‬فلقد كانت كلها‬
                                                  ‫متلألئة! فتاة في زهو العشرينات من عمرها‪ ،‬عيناها‬
                    ‫من كؤوس الويسكي الفاخر!‬       ‫تستطيع أن ترى صفاء زرقتها في جو يتأرجح بين‬
      ‫وقفت على هيأتي كما هي‪ ،‬لم أعدل الثياب أو‬
‫الأشياء النافرة‪ ،‬وإنما كنت في اشتياق جارف لأكمل‬     ‫نور وعتمة‪ ،‬برودة ودفء‪ ،‬وجسدها البض يبعث‬
 ‫المسيرة‪ ،‬بالنظر إليها من خلال عدسة الهاتف‪ ،‬فما‬   ‫فيك الحياة دون أن تلمسه‪ ،‬ويهبك النشوة دون أن‬
   87   88   89   90   91   92   93   94   95   96   97