Page 94 - ميريت الثقافية- العدد رقم (25) يناير 2021
P. 94
العـدد 25 92
يناير ٢٠٢1
تركته؛ فلا رغبة لد ّي في الحديث معه ،والخمر صندو ًقا أني ًقا من القطيفة الحمراء! فتحته الفتاة
قد جعلني أرى الحائط الذي يستند عليه مائ ًل، بانبهار أبله ،ثم في سعادة مصطنعة أخرجت
والسقف الذي يحملق فيه يدنو من رأسه ،يكاد
«إسورة فضية» قيد بها الشاب معصم يدها اليمنى،
يصطدم بها ويهشمها! ثم وضع في خنصر اليد نفسها خات ًما من فضة،
جلست إلى طاولتي ،والصمت لجام يقبض على
لساني! فإذا بالنادلة الحلوة التي تسبقها ابتسامة فكان غير محكم ،نقله إلى إصبعها الأوسط ،وأشك
لطيفة تعيدني إلى نشوتي وهي تقترب مني ،ثم في أنه كان مستق ًرا فيه ،وربما وجب عليه نقله إلى
تسألني إن كنت أريد أن أجدد كأسي ،فأبديت
لذكائها استحسا ًنا وتمنيت أن تأتي به سري ًعا. الإبهام!
شعرت حينها بالحزن على الشاب ،جاه ًل سبب هذا
انحنت أمامي كي ترفع الكأس الفارغ ،وكان
قميصها الأبيض ذو الخطوط الزرقاء الطولية الحزن! وشعرت في الوقت ذاته بضرورة إفراغ
غير محكم الأزرار ،فبرزا النهدان قلي ًل كأنهما مثانتي التي أوشكت على الانفجار ،لقد كانت تؤلمني
عصفوران يغردان فر ًحا بانعتاقهما من أسر القفص وترسل إنذارات لم أعرها اهتما ًما كي أكمل المشهد
الحديدي! وعن غير قصد ،التقت عيناي بعينيها الذي أمامي ،وألتقط لهما في الخفاء صو ًرا تبقى في
وهي ترفع رأسها ناحيتي ،كأنها على يقين بأنني
الذاكرة!
التقطت للشاب صورة فردية كبيرة وواضحة
الملامح ،تفضحه عيناه اللتان تمحوان كل ما يحاول
بناءه بشفتيه ،ثم أتبعتها بصورة أخرى لهما يبدو
الفتى فيها بد ًرا مختن ًقا بغيمات سود تراكمت
بوزنها الثقيل عليه فحجبت ضياءه فبدا رماد ًّيا!
كانت كؤوس الخمر المختلفة تتصارع برأسي وأنا
أنطلق نحو الحمام ،والبول يتسرب إلى الخارج
دفقات ،وقدرتي على حبسه تتهاوى تما ًما عند
«المبولة»! فاندفع البول كالسيل ،وهويت برأسي
على الحائط لأتخلص منها ،وفي قدم ّي رجفة ،عندئذ
دخل شخ ٌص الحما َم مسر ًعا يفتش عن مكان يطلق
بوله فيه ،وليس هنا سوى مبولة واحدة ،ومرحاض
واحد له باب وحوضان صغيران لغسيل اليدين!
رفعت رأسي ملتفتًا نحوه ،فإذا به الفتى البدر! لا
أعرف كيف انطلقت من بين شفت ّي تلك الكلمات:
-يا راجل! إيه اللي أنت قاعد معاها دي؟
ُصعق الفتى! وحملق في عيني فز ًعا مما يقرأ فيهما،
ثم حاول أن يجد كلمات يجيبني بها فلم يجد سوى
ضحكات عالية ،يشوبها أسى وحسرة ،طأطأ
خلالها رأسه وهو يحل حزامه ويفك أزرار بنطاله،
ثم دفع بقوة باب المرحاض الموارب ،ودخل دون أن
يدري هل من أحد في الداخل أم لا!
استند براحة يده على الحائط المقابل له ،ونظر إلى
السقف ،والبول يخرج مندف ًعا في كل اتجاه إلا
المرحاض! ثم قال:
-عشان أمشي م البلد دي ،أتجوز العفريت!